والرابع للأخفش. وكذلك اختلفوا في أفعل بعد ما التعجبية، أهو فعل؟ وهو مذهب البصريين، أم اسم؟ وهو مذهب الكوفيين. وينبني عليه الخلاف في المنصوب بعده، أهو مفعول به أو مشبه بالمفعول به؟ وإذا قلنا: إن الكلام هو تعجب، فالتعجب هو استعظام الشيء وخفاء حصول السبب، وهذا مستحيل في حق الله تعالى، فهو راجع لمن يصح ذلك منه، أي هم ممن يقول فيهم من رآهم: ما أصبرهم على النار واختلف قائلوا التعجب، أهو صبر يحصل لهم حقيقة إذا كانوا في النار؟ فذهب إلى ذلك الأصم وقال: إذا قيل لهم: * (اخسئوا فيها ولا تكلمون) *، سكتوا وانقطع كلامهم، وصبروا على النار ليأسهم من الخلاص. وضعف قول الأصم، بأن ظاهر التعجب، أنه من صبرهم في الحال، لا أنهم سيصبرون، وبأن أهل النار قد يقع منهم الجزع. وقيل: الصبر مجاز عن البقاء في النار، أي ما أبقاهم في النار. أم هو صبر يوصفون به في الدنيا؟ وهو قول الجمهور. واختلف، أهو حقيقة أم مجاز؟ والقائلون بأنه حقيقة، قالوا: معناه ما أصبرهم على عمل يؤديهم إلى النار، لأنهم كانوا علماء بأن من عاند النبي صلى الله عليه وسلم) صار إلى النار، قاله المؤرج. وقيل: التقدير ما أصبرهم على عمل أهل النار، كما تقول: ما أشبه سخاءك بحاتم، أي بسخاء حاتم، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، وهو قول الكسائي وقطرب، وهو قريب من قول المؤرج. وقيل: اصبر هنا بمعنى أجرأ، وهي لغة يمانية، فيكون لفظ اصبر إذ ذاك مشتركا بين معناها المتبادر إلى الذهن من حبس النفس على الشيء المكروه، ومعنى الجراءة، أي ما أجرأهم على العمل الذي يقرب إلى النار، قاله الحسن وقتادة والربيع وابن جبير. قال الفراء: أخبرني الكسائي قال: أخبرني قاضي اليمن أن خصمين اختصما إليه، فوجبت اليمين على أحدهما، فحلف له خصمه، فقال له: ما أصبرك على الله أي ما أجرأك على الله والقائلون بأنه مجاز. فقيل: هو مجاز أريد به العمل، أي ما أعملهم بأعمال أهل النار قاله مجاهد. وقيل: هو مجاز أريد به قلة الجزع، أي ما أقل جزعهم من النار وقيل: هو مجاز أريد به الرضا، وتقريره أن الراضي بالشيء يكون راضيا بمعلوله ولازمه، إذا علم ذلك اللزوم. فلما أقدموا على ما يوجب النار، وهم عالمون بذلك، صاروا كالراضين بعذاب الله والصابرين عليه، وهو كما يقول لمن تعرض لغضب السلطان: ما أصبرك على القيد والسجن وقال الزمخشري: فما أصبرهم على النار تعجب من حالهم في التباسهم بموجبات النار من غير مبالاة منهم. انتهى كلامه، وانتهى القول في أن الكلام تعجب. وذهب معمر بن المثنى والمبرد إلى أن ما استفهامية لا تعجبية، وهو استفهام على معنى التوبيخ بهم، أي: أي شيء صبرهم على النار حتى تركوا الحق واتبعوا الباطل؟ وهو قول ابن عباس والسدي. يقال: صبره وأصبره بمعنى: أي جعله يصبر، لا أن أصبر هنا بمعنى: حبس واضطر، فيكون أفعل بمعنى: فعل، خلافا للمبرد، إذ زعم أن أصبر بمعنى: صبر، ولا نعرف ذلك في اللغة، وإنما تكون الهمزة للنقل، أي يجعل ذا صبر. وذهب قوم إلى أن ما نافية، والمعنى: أن الله ما أصبرهم على النار، أي ما يجعلهم يصبرون على العذاب، فتلخص في معنى قوله: * (ما * أصبرهم على النار) * التعجب والاستفهام والنفي، وتلخص في التعجب، أهو حقيقة أم مجاز؟ وكلاهما: أذلك في الدنيا أو في الآخرة؟.
* (ذالك بأن الله نزل الكتاب بالحق) *، ذلك: إشارة إلى ما تقدم من الوعيد، قاله الزجاج؛ أو إلى الحكم عليهم بأنهم من أهل الخلود في النار، قاله الحسن، أو العذاب، قاله الزمخشري؛ أو الاشتراء، قاله ابن عطية، تقريعا على بعض التفاسير في الكتاب من قوله: * (نزل الكتاب) *، وسيذكر أي ذلك الاشتراء بما سبق لهم في علم الله وورد أخباره به، أو الكتمان. وأبعدها أنه إشارة إلى ما تقدم من أخبار الله أنه ختم على قلوبهم، وعلى سمعهم، وعلى أبصارهم، وأنهم صم بكم عمي فهم لا يعقلون. واختلف في إعراب ذلك فقيل: هو منصوب بفعل محذوف