عبد الحكم وابن نافع حلال، وعند ابن القاسم وابن وهب وأشهب وسحنون تقييدات في الجراد ذكرت في كتب المالكية. هذا حكم الميتة بالنسبة إلى الأكل. وأما الانتفاع بشيء منها، نحو: الجلد، والشعر، والريش، واللبن، والبيض، والأنفخة، والجنين، والدهن، والعظم، والقرن، والناب، والغصب، فذلك مذكور في كتب الفقه، ولهم في ذلك اختلاف وتقييد كثير يوقف على ذلك في تصانيفهم.
والدم: ظاهره العموم، ويتخصص بالمسفوح لآية الأنعام. فإذا كان مسفوحا، فلا خلاف في نجاسته وتحريمه. وفي دم السمك المزايل له في مذهب مالك قولان: أحدهما: أنه طاهر، ويقتضي ذلك أنه غير محرم. وأجمعوا على جواز أكل الدم المتحلل بالعروق واللحم الشاق إخراجه، وكذلك الكبد والطحال. وذكر المفسرون في يسير الدم المسفوح الخلاف في العفو عنه، وفي مقدار اليسير، والخلاف في دم البراغيث والبق والذباب، وهذا كله من علم الفقه، فيطالع في كتب الفقه. ولم يذكرالله تعالى حكمة في تحريم أكل الميتة والدم، ولا جاء نص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) في ذلك. ولو تعبدنا تعالى بجواز أكل الميتة والدم، لكان ذلك شرعا يجب اتباعه. وقد ذكروا أن الحكمة في تحريم الميتة جمود الدم فيها بالموت، وأنه يحدث أذى للآكل. وفي تحريم الدم أنه بعد خروجه يجمد، فهو في الأذى كالجامد في الميتة، وهذا ليس بشيء، لأن الحس يكذب ذلك. وجدنا من يأكل الميتة، ويشرب الدم من الأمم، صورهم وسحنهم من أحسن ما يرى وأجمله، ولا يحدث لهم أذى بذلك.
ولحم الخنزير: ظاهره أن المحرم منه هو لحمه فقط. وقد ذهب إلى ذلك داود، رأس الظاهرية، فقال: المحرم اللحم دون الشحم. وقال غيره من سائر العلماء: المحرم لحمه وسائر أجزائه. وإنما خص اللحم بالذكر، والمراد جميع أجزائه، لكون اللحم هو معظم ما ينتفع به. كما نص على قتل الصيد على المحرم، والمراد حظر جميع أفعاله في الصيد. وكما نص على ترك البيع * (ياأيها الذين ءامنوا إذا نودى للصلواة) *، لأنه كان أعظم ما كانوا يبتغون به منافعهم، فهو أشغل لهم من غيره، والمراد جميع الأمور الشاغلة عن الصلاة. وقال الزمخشري: فإن قلت: فما له ذكر لحم الخنزير دون شحمه؟ قلت: لأن الشحم داخل في ذكر اللحم بدليل قوله: لحم سمين، يريدون أنه شحيم. انتهى. وقولهم هذا ليس بدليل على أن الشحم داخل في ذكر اللحم، لأن وصف الشيء بأنه يمازجه شيء آخر، لا يدل على أنه مندرج تحت مدلول ذلك الشيء، ألا ترى أنك تقول مثلا رجل لابن، أو رجل عالم؟ لا يدل ذلك على أن اللبن أو العلم داخل في ذكر الرجل، ولا أن ذكر الرجل. مجردا عن الوصفين يدل عليهما. وقال ابن عطية: وخص ذكر اللحم من الخنزير ليدل على تحريم عينه، ذكي أو لم يذك، وليعم الشحم وما هناك من الغضاريف وغيرها. وأجمعت الأمة على تحريم شحمه. انتهى كلامه. وليس كما ذكر، لأن ذكر اللحم لا يعم الشحم وما هناك من الغضاريف، لأن