تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٥١٩
بعض. وقيل: آجال بني آدم. وقيل: القيامة، وقيل: المجازاة يوم القيامة. وقيل: قوة الرسالة وكثرة الأمة، والجمهور على أنه الأمر بالقتال. وعن الباقر: أنه لم يؤمر بقتال حتى نزل أذن للذين يقاتلون، والأمر بالعفو والصفح هو أن لا يقاتلوا وأن يعرض عن جوابهم فيكون أدعى لتسكين الثائرة وإطفاء الفتنة وإسلام بعضهم، لا أنه يكون ذلك على وجه الرضا، لأن ذلك كفر. * (إن الله على كل شىء قدير) *: مر تفسير هذه الآية، وفيه إشعار بالانتقام من الكفار، ووعد للمؤمنين بالنصر والتمكين. ألا ترى أنه أمر بالموادعة بالعفو والصفح، وغيا ذلك إلى أن يأتي الله بأمره، ثم أخبر بأنه قادر على كل شيء؟.
* (وإذ أخذنا ميثاق بنى) *: لما أمر بالعفو والصفح، أمر بالمواظبة على عمودي الإسلام: العبادة البدنية، والعبادة المالية، إذ الصلاة فيها مناجاة الله تعالى والتلذذ بالوقوف بين يديه، والزكاة فيها الإحسان إلى الخلق بالإيثار على النفس، فأمروا بالوقوف بين يدي الحق وبالإحسان إلى الخلق. قال الطبري: إنما أمر الله هنا بالصلاة والزكاة ليحط ما تقدم من ميلهم إلى قول اليهود: راعنا، لأن ذلك نهي عن نوعه، ثم أمر المؤمنون بما يحطه. انتهى كلامه. وليس له ذلك الظهور.
* (وما تقدموا لانفسكم من خير تجدوه عند الله) *: لما قدم الأمر بالصلاة والزكاة أتى بهذه الجملة الشرطية عامة لجميع أنواع الخير، فيندرج فيها الصلاة والزكاة وغيرهما. والقول في إعراب ما ومن خير، كالقول في إعراب: ما ننسخ من آية، من أنهم قالوا: يجوز أن تكون ما مفعولة، ومن خير: حال أو مصدر، ومن خير: مفعول، أو مفعولة، ومن خير: تمييز أو مفعولة، ومن خير، تبعيضية متعلقة بمحذوف وهو الذي اخترناه. لأنفسكم: متعلق بتقدموا، وهو على حذف مضاف، أي لنجاة أنفسكم وحياتها، قال تعالى: * (يقول ياليتنى * ليتنى * قدمت لحياتى) *. وقد فسر الخير هنا بالزكاة والصدقة، والأظهر العموم تجدوه جواب الشرط، والهاء عائدة على ما، والخيور المتقدمة هي أفعال منقضية. ونفس ذلك المنقضي لا يوجد، فإنما ذلك على حذف مضاف، أي تجدوا ثوابه. فجعل وجوب ما ترتب على وجودا له، وتجدوه متعد إلى واحد، لأنه بمعنى الإصابة. والعامل في قوله: * (عند الله) *، إما نفس الفعل، أو محذوف، فيكون في معنى الحال من الضمير، أي تجدوه مدخرا ومعدا عند الله. والظرفية هنا المكاتبة ممتنعة، وإنما هي مجاز بمعنى القبل، كما تقول لك: عندي يد، أي في قبلي، أو بمعنى في علم الله نحو: * (وإن يوما عند ربك كألف سنة) *، أي في علمه وقضائه، أو بمعنى الاختصاص بالإضافة إلى الله تعالى تعظيما كقوله: * (إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته) *.
* (إن الله بما تعملون بصير) *: المجيء بالاسم الظاهر يدل على استقلال الجمل، فلذلك جاء إن الله، ولم يجيء إنه، مع إمكان ذلك في الكلام. وهذه جملة خبرية ظاهرة التناسب في ختم ما قبلها بها، تتضمن الوعد والوعيد. وكنى بقوله: بصير عن علم المشاهد، أي لا يخفى عليه عمل عامل ولا يضيعه، ومن كان مبصرا لفعلك، لم يخف عليه، هل هو خير أو شر، وأتى بلفظ بصير دون مبصر، إما لأنه من بصر، فهو يدل على التمكن والسجية في حق الإنسان، أو لأنه فعل للمبالغة بمعنى مفعل، الذي هو للتكثير. ويحتمل أن يكون فعيل بمعنى مفعل، كالسميع بمعنى المسمع، قال بعض الصوفية: على المريد إقامة المواصلات وإدامة التوسل بفنون القربات، واثقا بأن ما تقدمه من صدق المجاهدات ستزكو ثمرته في آخر الحالات، وأنشدوا:
* سابق إلى الخير وبادر به * فإنما خلفك ما تعلم * * وقدم الخير فكل امرئ * على الذي قدمه يقدم * * (وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى) *: سبب نزولها اختصام نصارى نجران ويهود المدينة، وتناظرهم بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم). فقالت اليهود: * (ليست النصارى على شىء) *، وقالت النصارى: * (ليست اليهود على شىء) *
(٥١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 514 515 516 517 518 519 520 521 522 523 524 ... » »»