تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٣٠٥
كافر بقلبه ولسانه، كالدهرية والمنكرين رسالة النبي صلى الله عليه وسلم)، وكافر بقلبه مؤمن بلسانه وهم المنافقون، ومؤمن بقلبه كافر بلسانه، كفرعون ومن ذكر معه فلا ينكر الكفر مع وجود العلم. وقد استدل المعتزلة بهذه الآية على أن المعصية توجب الكفر، وأجيب بأنه كافر منافق وإن كان مؤمنا فإنما كفر لاستكباره واعتقاد كونه محقا في ذلك التمرد، واستدلاله على ذلك بقوله: * (أنا خير منه) *. قال القشيري: لما كان إبليس مدة في دلال طاعته يختال في مراد موافقته، سلموا له رتبة التقدم واعتقدوا فيه استحقاق التخصص، فصار أمره كما قيل:
* وكان سراج الوصل أزهر بيننا * فهبت به ريح من البين فانطفا * سئل أبو الفتوح أحمد، أخو أبي حامد الغزالي عن إبليس فقال: لم يدر ذلك المسكين أن أظافير القضاء إذا حكت أدمت وقسي القدر إذا رمت أصمت، ثم أنشد:
* وكنا وليلى في صعود من الهوى * فلما توافينا ثبت وزلت * (* (وقلنا ياءادم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هاذه الشجرة فتكونا من الظالمين) *)) ) * * (وقلنا ياءادم * ءادم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هاذه الشجرة فتكونا من الظالمين) * أسكن، أقم، ومصدره السكنى كالرجعي، والمعنى راجع إلى السكون، وهو عدم الحركة. وكان الساكن في المكان للبثه واستقراره فيه غير متحرك بالنسبة إلى غيره من الأماكن. رغدا: أي واسعا كثير الاعناء فيه، قال امرؤ القيس:
* بينما المرء تراه ناعما * يأمن الأحداث في عيش رغد * وتميم تسكن الغين. وزعم بعض الناس أن كل اسم ثلاثي حلقي العين صحيح اللام يجوز فيه تحريك عينه وتسكينها، مثل: بحر وبحر، ونهر ونهر، فأطلق هذا الإطلاق، وليس كذلك، بل ما وضع من ذلك على فعل بفتح العين لا يجوز فيه التسكين نحو: السحر لا يقال فيه السحر، وإنما الكلام في فعل المفتوح الفاء الساكن العين، وفي ذلك خلاف. ذهب البصريون إلى أن فتح ما ورد من ذلك مقصور على السماع، وهو مع ذلك مما وضع على لغتين، لا أن أحدهما أصل للآخر. وذهب الكوفيون إلى أن بعضه ذو لغتين، وبعضه أصله التسكين ثم فتح. وقد اختار أبو الفتح مذهب الكوفيين، والاستدلال مذكور في كتب النحو. حيث: ظرف مكان مبهم لازم الظرفية، وجاء جره بمن كثيرا وبفي، وإضافة لدى إليه قليلا، ولإضافتها لا ينعقد منها مع ما بعدها كلام، ولا يكون ظرف زمان خلافا للأخفش، ولا ترفع اسمين نائبة عن ظرفين، نحو: زيد حيث عمر، وخلافا للكوفيين، ولا يجزم بها دون ما خلافا للفراء، ولا تضاف إلى
(٣٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 300 301 302 303 304 305 306 307 308 309 310 ... » »»