تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٢٣٦
ومن قال المعنى الذي خلقكم راجين للتقوى. قال بعض المفسرين: فيه بعد من حيث إنه لو خلقهم راجين للتقوى كانوا مطيعين مجبولين عليها، والواقع خلاف ذلك، انتهى كلامه. ويعني أنهم لو خلقوا وهم راجون للتقوى لكان ذلك مركوزا في جبلتهم، فكان لا يقع منهم غير التقوى وهم ليسوا كذلك، بل المعاصي هي الواقعة كثيرا، وهذا ليس كما ذكر، وقد يخلق الإنسان راجيا لشيء فلا يقع ما يرجوه، لأن الإنسان في الحقيقة ليس له الخيار فيما يفعله أو يتركه، بل نجد الإنسان يعتقد رجحان الترك في شيء ثم هو يفعله، ولقد صدق الشاعر في قوله:
* علمي بقبح المعاصي حين أركبها * يقضي بأني محمول على القدر * فلا يلزم من رجاء الإنسان لشيء وقوع ما يرتجي، وإنما امتنع ذلك التقدير، أعني تقدير الحال، من حيث إن لعل للإ نشاء، فهي وما دخلت عليه ليست جملة خبرية فيصح وقوعها حالا.
قال الطبري: هذه الآية، يريد: * (قدير ياأيها الناس اعبدوا) * من أدل دليل على فساد قول من زعم أن تكليف ما لا يطاق بمعونة الله غير جائز، وذلك أن الله عز وجل أمر بعبادته من آمن به ومن كفر بعد إخباره عنهم أنهم لا يؤمنون وأنهم عن ضلالتهم لا يرجعون. والموصول الثاني في قوله: * (الذى جعل * الذى خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون * الذى جعل لكم الارض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا) *، وهو ضعيف لوجهين: أحدهما: أن صلة الذي وما عطف عليها قد مضيا، فلا ينابسب دخول الفاء في الخبر. الثاني: أن ذلك لا يتمشى إلا على مذهب أبي الحسن، لأن من الروابط عنده تكرار المبتدأ بمعناه، فالذي مبتدأ، و * (فلا تجعلوا لله أندادا) * جملة خبرية، والرابط لفظ الله من لله كأنه قيل: * (فلا تجعلوا لله أندادا) *، وهذا من تكرار المبتدأ بمعناه. ولا نعرف إجازة ذلك إلا عن أبي الحسن. أجاز أن تقول: زيد قام أبو عمرو، وإذا كان أبو عمرو كنية لزيد، ونص سيبويه على منع ذلك. وأما نصبه فيجوز أن يكون على القطع، إذ هو وصف مدح، كما ذكرنا، ويجوز أن يكون وصفا لما كان له وصفا الذي خلقكم، وهو ربكم، قالوا: ويجوز نصبه على أن يكون نعتا لقوله: * (الذى خلقكم) *، فيكون نعتا للنعت ونعت النعت مما يحيل تكرار النعوت. والذي نختاره أن النعت لا ينعت، بل النعوت كلها
(٢٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 231 232 233 234 235 236 237 238 239 240 241 ... » »»