له العبادة، لأن أصل العبادة هو التوحيد. قال الزمخشري: متعلق بلعل، على أن ينتصب تجعلوا انتصاب فأطلع في قوله: * (لعلى أبلغ الاسباب * أسباب * السماوات * فأطلع إلى إلاه موسى) *، في رواية حفص عن عاصم، أي خلقكم لكي تتقوا وتخافوا عقابه فلا تشبهوه بخلقه، انتهى كلامه. فعلى هذا لا تكون لا ناهية بل نافية، وتجعلوا منصوب على جواب الترجي، وهو لا يجوز على مذهب البصريين، إنما ذهب إلى جواز ذلك الكوفيون، أجروا لعل مجرى هل. فكما أن الاستفهام ينصب الفعل في جوابه فكذلك الترجي. فهذا التخريج الذي أخرجه الزمخشري لا يجوز على مذهب البصريين، وفي كلامه تعليق لعلكم تتقون بخلقكم، ألا ترى إلى تقديره أي خلقكم لكي تتقوا وتخافوا عقابه؟ فلا تشبهوه بخلقه، وهو جار على ما مر من مذهبه الاعتزالي، ويجوز أن يكون متعلقا بالذي إذا جعلته خبر مبتدأ محذوف، أي هو الذي جعل لكم هذه الآيات العظيمة والدلائل النيرة الشاهدة بالوحدانية، فلا تجعلوا له أندادا. والظاهر في هذا القول هو ما قدمناه أولا من تعلقه بقوله: * (اعبدوا ربكم) *.
* (وأنتم تعلمون) *: جملة حالية، وفيها من التحريك إلى ترك الأنداد وإفراد الله بالوحدانية ما لا يخفى، أي أنتم من ذوي العلم والتمييز بين الحقائق والإدراك للطائف الأشياء والاستخراج لغوامض الدلائل، في الرتبة التي لا تليق لمن تحلى بها أن يجعل لله ندا وهو خلقه. إذ ذاك فعل من كان أجهل العالم وأبعدهم عن الفطنة وأكثرهم تجويزا للمستحيلات. ومفعول تعلمون متروك لأن المقصود إثبات أنهم من أهل العلم والمعرفة. والتمييز تخصيص العلم بشيء، قال معناه ابن قتيبة، لأنه فسر تعلمون بمعنى تعقلون، وقيل: هو محذوف اختصارا تقديره: وأنتم تعلمون أنه خلق السماوات وأنزل الماء، وفعل ما شرحه في هذه الآيات. ومعنى هذا مروي عن ابن عباس وقتادة ومقاتل، أو أنتم تعلمون أنه ليس ذلك في كتابيكم التوراة والإنجيل. وروي ذلك أيضا عن ابن عباس، أو أنه لا ند له، قاله مجاهد، أو أنتم تعلمون أنه لا يقدر على فعل ما ذكره أحد سواه، ذكره علي بن عبيد الله، أو وأنتم تعلمون أنها حجارة، قاله أبو محمد بن الخشاب، أو وأنتم تعلمون ما بينه وبينها من التفاوت، أو وأنتم تعلمون أنها لا تفعل مثل أفعاله كقوله: * (هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شىء) *؟ قالهما الزمخشري والمخاطب بقوله: فلا تجعلوا ظاهره أنه للناس المأمورين باعبدوا ربكم، وقد تقدمت أقاويل السلف في ذلك.
قال ابن فورك: ويحتمل أن يكون الخطاب للمؤمنين، المعنى: فلا ترتدوا أيها المؤمنون وتجعلوا لله أندادا بعد علمكم أن العلم هو نفي الجهل بأن الله واحد. قال أبو محمد بن عطية، هذه الآية تعطي أن الله تعالى أغنى الإنسان بنعمه هذه عن كل مخلوق، فمن أحوج نفسه إلى بشر مثله بسبب الحرص والأمل والرغبة في زخرف الدنيا، فقد أخذ بطرف من جعل ندا، انتهى. وقول أبي