ولم يطالبكم بها كقوله صلى الله عليه وسلم عفا الله عن الزكاة في الخيل وقيل إن معنى عفا الله عنها عفا عنكم فيما تقدم من سؤالكم فلا تعودوا إليه * (وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم) * فيه معنى الوعيد على السؤال كأنه قال لا تسألوا وإن سألتم أبدى لكم ما يسوؤكم والمراد بحين ينزل القرآن زمان الوحي * (قد سألها قوم من قبلكم) * الضمير في سألها راجع إلى المسئلة التي دل عليها لا تسألوا وهي مصدر ولذلك لم يتعدى بعن كما تعدى قوله إن تسألوا عنها وذلك أن بني إسرائيل كانوا يستفتون أنبياءهم عن أشياء فإذا أمروا بها تركوها فهلكوا فالكفر هنا عبارة عن ترك ما أمروا به * (ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام) * لما سأل قوم عن هذه الأمور التي كانت في الجاهلية هل تعظم لتعظيم الكعبة والهدي أخبرهم الله أنه لم يجعل شيئا من ذلك لعباده أي لم يشرعه لهم وإنما الكفار جعلوا ذلك فأما البحيرة فهي فعيلة بمعنى مفعولة من بحر إذا شق وذلك أن الناقة إذا أنتجت عشرة أبطن شقوا آذانها وتركوها ترعى ولا ينتفع بها وأما السائبة فكان الرجل يقول إذا قدمت من سفري أو برئت من مرضي فناقتي سائبة وجعلها كالبحيرة في عدم الانتفاع بها وأما الوصيلة فكانوا إذا ولدت الناقة ذكرا وأنثى في بطن واحد قالوا وصلت الناقة أخاها فلم يذبحوها وأما الحامي فكانوا إذا نتج من صلب الجمل عشرة بطون قالوا قد حمى ظهره فلا يركب ولا يحمل عليه شيء * (ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب) * أي يكذبون عليه بتحريمهم ما لم يحرم الله * (وأكثرهم لا يعقلون) * الذين يفترون على الله الكذب هم الذين اخترعوا تحريم تلك الأشياء والذين لا يعقلون هم أتباعهم المقلدون لهم * (قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا) * أي يكفينا دين آبائنا * (أولو كان آباؤهم) * قال الزمخشري الواو واو الحال دخلت عليها همزة الإنكار كأنه قيل أحسبهم هذا وآباؤهم لا يعقلون قال ابن عطية ألف التوقيف دخلت على واو العطف وقول الزمخشري أحسن في المعنى * (عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) * قيل إنها منسوخة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقيل إنها خطاب للمسلمين من ذرية الذين حرموا البحيرة وأخواتها كأنه يقول لا يضركم ضلال أسلافكم إذا اهتديتم والقول الصحيح فيها ما ورد عن أبي ثعلبة الخشني أنه قال سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر فإذا رأيتم شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخويصة نفسك وذر عوامهم ومثل ذلك قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ليس هذا بزمان هذه الآية قولوا الحق ما قبل منكم فإذا رد عليكم فعليكم أنفسكم " شهادة بينكم
(١٩٠)