ب * (صديقا نبيا) * * (لأبيه يا أبت) * التاء معوضة من ياء الإضافة ولذلك لا يقال يا أبتي ويقال يا أبتا وإنما تذكر للاستعطاف ولذلك كررها * (لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر) * فيعرف حالك ويسمع ذكرك ويرى خضوعك * (ولا يغني عنك شيئا) * في جلب نفع أو دفع ضر دعاه إلى الهدى وبين ضلاله واحتج عليه أبلغ احتجاج وأرشقه برفق وحسن أدب حيث لم يصرح بضلاله بل طلب العلة التي تدعوه إلى عبادة ما يستخف به العقل الصريح ويأبى الركون إليه فضلا عن عبادته التي هي غاية التعظيم ولا تحق إلا لمن له الاستغناء التام والإنعام العام وهو الخالق الرازق المحي المميت المعاقب المثيب ونبه على أن العاقل ينبغي أن يفعل ما يفعل لغرض صحيح والشيء لو كان حيا مميزا سميعا بصيرا مقتدرا على النفع والضر ولكن كان ممكنا لاستنكف العقل القويم عن عبادته وإن كان أشرف الخلق كالملائكة والنبيين لما يراه مثله في الحاجة والانقياد للقدرة الواجبة فكيف إذا كان جمادا لا يسمع ولا يبصر ثم دعاه إلى أن يتبعه ليهديه إلى الحق القويم والصراط المستقيم لما لم يكن محظوظا من العلم الإلهي مستقلا بالنظر السوي فقال * (يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا) * ولم يسم أباه بالجهل المفرط ولا نفسه بالعلم الفائق بل جعل نفسه كرفيق له في مسير يكون أعرف بالطريق ثم ثبطه عما كان عليه بأنه مع خلوة عن النفع مستلزم للضر فإنه في الحقيقة عبادة الشيطان من حيث إنه الآمر به فقال * (يا أبت لا تعبد الشيطان) * ولما استهجن ذلك بين وجه الضر فيه بأن الشيطان مستعص على ربك المولي للنعم بقوله * (إن الشيطان كان للرحمن عصيا) * ومعلوم أن المطاوع للعاصي عاص وكل عاص حقيق بأن تسترد منه النعم وينتقم منه ولذلك عقبه بتخويفه سوء عاقبته وما يجر إليه فقال * (يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا) * قرينا في
(١٨)