تفسير القرطبي - القرطبي - ج ٧ - الصفحة ٣٤٩
والجزع منها صادرا عن الإيمان. وأما أمره بالاستعاذة فلكون تلك الوساوس من آثار الشيطان.
وأما الأمر بالانتهاء فعن الركون إليها والالتفات نحوها. فمن كان صحيح الإيمان واستعمل ما أمره به ربه ونبيه نفعه وانتفع به. وأما من خالجته الشبهة وغلب عليه الحس ولم يقدر على الانفكاك عنها فلا بد من مشافهته بالدليل العقلي، كما قال صلى الله عليه وسلم للذي خالطته شبهة الإبل الجرب حين قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا عدوى ". وقال أعرابي:
فما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء فإذا دخل فيها البعير الأجرب أجربها؟ فقال صلى الله عليه وسلم: " فمن أعدى الأول " فاستأصل الشبهة من أصلها. فلما يئس الشيطان من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بالإغراء والإضلال أخذ يشوش عليهم أوقاتهم بتلك الألقيات.
والوساوس: الترهات، فنفرت عنها قلوبهم وعظم عليهم وقوعها عندهم فجاءوا - كما في الصحيح - فقالوا: يا رسول الله، إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به.
قال: " أو قد وجدتموه "؟ قالوا: نعم. قال: (ذلك صريح الإيمان رغما للشيطان حسب ما نطق به القرآن في قوله: " إن عبادي ليس لك عليهم سلطان (1) ". فالخواطر التي ليست بمستقرة ولا اجتلبتها الشبهة فهي التي تدفع بالإعراض عنها، وعلى مثلها يطلق اسم الوسوسة.
والله أعلم. وقد مضى في آخر البقرة (2) هذا المعنى، والحمد لله.
قوله تعالى: إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون (201) وإخوانهم يمدونهم في الغى ثم لا يقصرون (202) فيه مسئلتان: الأولى - قوله تعالى: (إن الذين اتقوا) يريد الشرك والمعاصي. (إذا مسهم طيف من الشيطان) هذه قراءة أهل البصرة وأهل مكة. وقراءة أهل المدينة وأهل الكوفة " طائف ". وروي عن سعيد بن جبير " طيف " بتشديد الياء. قال النحاس: كلام العرب في مثل هذا " طيف " بالتخفيف، على أنه مصدر من طاف يطيف. قال الكسائي:

(1) راجع ج 10 ص 38 وص 28 فما بعدها.
(2) راجع ج 3 ص 428.، فما بعد.
(٣٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 344 345 346 347 348 349 350 351 352 353 354 ... » »»