تفسير القرطبي - القرطبي - ج ٧ - الصفحة ١٩٩
طعام لأجل طيبه قط، بل كان يأكل الحلوى والعسل والبطيخ والرطب، وإنما يكره التكلف لما فيه من التشاغل بشهوات الدنيا عن مهمات الآخرة. والله تعالى أعلم.
قلت: وقد كره بعض الصوفية أكل الطيبات، واحتج بقول عمر رضي الله عنه: إياكم واللحم فإن له ضراوة كضرواة (1) الخمر. والجواب أن هذا من عمر قول خرج على من خشي منه إيثار التنعم في الدنيا، والمداومة على الشهوات، وشفاء النفس من اللذات، ونسيان الآخرة والإقبال على الدنيا، ولذلك كان يكتب عمر إلى عمال: إياكم والتنعم وزي أهل العجم، واخشوشنوا. ولم يرد رضي الله عنه تحريم شئ أحله الله، ولا تحظير ما أباحه الله تبارك اسمه.
وقول الله عز وجل أولى ما امتثل واعتمد عليه. قال الله تعالى: " قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ". وقال عليه السلام: (سيد آدام الدنيا والآخرة اللحم). وقد روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل الطبيخ بالرطب ويقول: (يكسر حر هذا برد هذا وبرد هذا حر هذا). والطبيخ لغة في البطيخ، وهو من المقلوب. وقد (2) مضى في " المائدة " الرد على من آثر أكل الخشن من الطعام. وهذه الآية ترد عليه وغيرها: والحمد لله.
الرابعة - قوله تعالى: (قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا) يعني بحقها من توحيد الله تعالى والتصديق له، فإن الله ينعم ويرزق، فإن وحده المنعم عليه وصدقه فقد قام بحق النعمة، وإن كفر فقد أمكن الشيطان من نفسه. وفي صحيح الحديث (لا أحد أصبر على أذى من الله يعافيهم ويرزقهم وهم يدعون له الصاحبة والولد). وتم الكلام على " الحياة الدنيا ".
ثم قال " خالصة " بالرفع وهي قراءة ابن عباس ونافع. " خالصة يوم القيامة " أي يخلص الله الطيبات في الآخرة للذين آمنوا، وليس للمشركين فيها شئ كما كان لهم في الدنيا من الاشتراك فيها. ومجاز الآية: قل هي للذين آمنوا مشتركة في الدنيا مع غيرهم، وهي للمؤمنين

(1) أي أن له عادة ينزع إليها كعادة الخمر. أي عادة طلابة لأكله وتسمى القرم وهي شدة شهوة اللحم.
(2) راجع ج 6 ص 260.
(١٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 194 195 196 197 198 199 200 201 202 203 204 ... » »»