في معنى قعودهم على الطرق على ثلاثة معان، قال ابن عباس وقتادة ومجاهد والسدي: كانوا يقعدون على الطرقات المفضية إلى شعيب فيتوعدون من أراد المجئ إليه ويصدونه ويقولون:
إنه كذاب فلا تذهب إليه، كما كانت قريش تفعله مع النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا ظاهر الآية. وقال أبو هريرة: هذا نهي عن قطع الطريق (1)، وأخذ السلب، وكان ذلك من فعلهم.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (رأيت ليلة أسري بي خشبة على الطريق لا يمر بها ثوب إلا شقته ولا شئ إلا خرقته فقلت ما هذا يا جبريل قال هذا مثل لقوم من أمتك يقعدون على الطريق فيقطعونه) - ثم تلا - " ولا تقعدوا بكل صراط توعدون " الآية.
وقد مضى القول في اللصوص والمحاربين، والحمد لله (2). وقال السدي أيضا: كانوا عشارين متقبلين. ومثلهم اليوم هؤلاء المكاسون الذين يأخذون ما لا يلزمهم شرعا من الوظائف المالية بالقهر والجبر، فضمنوا ما لا يجوز ضمان أصله من الزكاة والمواريث والملاهي. والمترتبون في الطرق إلى غير ذلك مما قد كثر في الوجود وعمل به في سائر البلاد.
وهو من أعظم الذنوب وأكبرها وأفحشها، فإنه غصب وظلم وعسف على الناس وإذاعة للمنكر وعمل به ودوام عليه وإقرار له، وأعظمه تضمين الشرع والحكم للقضاء، فإنا لله وإنا إليه راجعون! لم يبق من الإسلام إلا رسمه، ولا من الدين إلا اسمه. يعضد هذا التأويل ما تقدم من النهي في شأن المال في الموازين والأكيال والبخس.
قوله تعالى: (من آمن به) الضمير في " به " يحتمل أن يعود على اسم الله تعالى، وأن يعود إلى شعيب في قول من رأى القعود على الطريق للصد، وأن يعود على السبيل.
" عوجا " قال أبو عبيدة والزجاج: كسر العين في المعاني. وفتحها في الأجرام.
قوله تعالى: (واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم) أي كثر عددكم، أو كثركم بالغنى بعد الفقر. أي كنتم فقراء فأغناكم. " فاصبروا " ليس هذا أمرا بالمقام على الكفر، ولكنه وعيد وتهديد. وقال: (وإن كان طائفة منكم) فذكر على المعنى، ولو راعى (3) اللفظ قال: كانت.