تفسير القرطبي - القرطبي - ج ٧ - الصفحة ٢٢٢
فالخلق المخلوق، والأمر كلامه الذي هو غير مخلوق وهو قوله: " كن ". " إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون (1) " وفي تفرقته بين الخلق والأمر دليل بين على فساد قول من قال بخلق القرآن، إذ لو كان كلامه الذي هو أمر مخلوقا لكان قد قال: ألا له الخلق والخلق. وذلك عي من الكلام ومستهجن ومستغث. والله يتعالى عن التكلم بما لا فائدة فيه.
ويدل عليه قوله سبحانه. " ومن آياته أن تقوم السماء والأرض (2) بأمره ". " والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره (3) ". فأخبر سبحانه أن المخلوقات قائمة بأمره، فلو كان الأمر مخلوقا لافتقر إلى أمر آخر يقوم به، وذلك الأمر إلى أمر آخر إلى ما لا نهاية له. وذلك محال.
فثبت أن أمره الذي هو كلامه قديم أزلي غير مخلوق، ليصح قيام المخلوقات به. ويدل عليه أيضا قوله تعالى: " وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا (3) بالحق ". وأخبر تعالى أنه خلقهما بالحق، يعني القول وهو قوله للمكونات: " كن ". فلو كان الحق مخلوقا لما صح أن يخلق به المخلوقات، لأن الخلق لا يخلق بالمخلوق. يدل عليه " ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين " . " إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون (4) ". " ولكن حق القول مني (2) ". وهذا كله إشارة إلى السبق في القول في القدم (5)، وذلك يوجب الأزل في الوجود. وهذه النكتة كافية في الرد عليهم. ولهم آيات احتجوا بها على مذهبهم، مثل قوله تعالى: " ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث " الآية. ومثل قوله تعالى: " وكان أمر الله قدرا مقدورا (2) ". و " مفعولا (2) " وما كان مثله. قال القاضي أبو بكر: معنى " ما يأتيهم من ذكر (4) " أي من وعظ من النبي صلى الله عليه وسلم ووعد وتخويف " إلا استمعوه وهم يلعبون "، لأن وعظ الرسل صلوات الله عليهم وسلامه وتحذيرهم ذكر. قال الله تعالى: " فذكر إنما أنت مذكر (6) ". ويقال:
فلان في مجلس الذكر. ومعنى " وكان أمر الله قدرا مقدورا " و " مفعولا " أراد سبحانه

(1) راجع ج 15 ص 60 وص 139.
(2) راجع ج 14 ص 19 وص 965. 188.
(3) راجع ج 10 ص 83 وص 53.
(4) راجع ج 11 ص 345 وص 266.
(5) في ج: القديم.
(6) راجع ج 20 ص 37.
(٢٢٢)
مفاتيح البحث: القرآن الكريم (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 217 218 219 220 221 222 223 224 225 226 227 ... » »»