* (وما أمروا) * أي: أهل الكتابين المحجوبون بأهوائهم عن الدين بما أمروا فيهما * (الآ) * لأن يخصصوا العبادة بالله * (مخلصين له الدين) * عن شوب الباطل والالتفاف إلى الغير.
* (حنفاء) * عن كل طريق غير موصل إليه وعن كل ما سواه ويتوصلوا إليه بالعبادات البدنية والمالية، أي: ما أمروا بما أمروا إلا للالتزام بأصول ثلاثة التوحيد على الإخلاص وقطع النظر عن الغير في الطاعة والإعراض عما سواه والقيام بالعبادات البدنية من الأعمال المزكية كالصلاة التي هي العمدة في بابها كقوله عليه السلام: ' الصلاة عماد الدين '، والقيام بحقائق الزهد من الترك والتجريد كالزكاة التي هي أساسها وذلك بعينه دين الكتب القيمة التي يتلوها هذا الرسول. فالملة الحقيقية الحنيفية واحدة من لدن آدم إلى يومنا هذا، وهي ملازمة التوحيد وسلوك طريق العدالة الشاملة للأصلين الآخرين فلو لم يحتجبوا بأهوائهم ولم يحرفوا كتبهم ويتعصبوا بظهور نفوسهم السبعية ولم يقفوا مع شهواتهم ولم يحتجبوا بتوهماتهم وتصوراتهم بظواهر أوضاعهم وعاداتهم وأمانيهم ومراداتهم عن حقائق ما في كتبهم لكان دينهم هذا الدين بعنيه. فالحاصل أن المحجوبين من أي الفرق كانوا هم شر البرية في نار جهنم الآثار قعر بئر الطبيعة والموحدين بالتوحيد العلمي العاملين على قانون العدالة في اكتساب الفضائل * (هم خير البرية) * في جنان الخلد بحسب درجاتهم من جنات الأفعال والصفات وأعلى درجاتهم مقام كمال الصفات الذي هو الرضا * (ذلك لمن خشي ربه) * أي: ذلك المقام مخصوص بمن علته الخشية الربانية عند تجليه بصفة العظمة لأنه إذا تجلى الرب على القلب بصفة العظمة استولت الخشية على العبد وذلك ليس هو الخوف المنافي لمقام الرضا بل هو حكم التجلي وأثره في النفس، وكما أثبت القدر المشترك للمحجوبين من النار دون النار الكبرى التي للأشقين أثبت القدر المشترك للموحدين من الجنة دون الجنة العليا التي للعارفين الأتقين فلذلك كان أعلى درجاتها الرضا والسلام.