الجن والإنس، والمراد: يسأله كل شيء فغلب العقلاء وأتى بلفظ من أي كل شيء يسأله بلسان الاستعداد والافتقار دائما.
* (كل يوم هو في شأن) * بإفاضة ما يناسب كل استعداد ويستحقه فله كل وقت في كل خلق شأن بإفاضة ما يستحقه ويستأهله باستعداده، فمن استعد بالتصفية والتزكية للكمالات الخيرية والأنوار يفيضها عليه مع حصول الاستعداد، ومن استعد بتكدير جوهر نفسه بالهيئات المظلمة والرذائل ولوث العقائد الفاسدة والخبائث للشرور والمكاره وأنواع الآلام والمصائب والعذاب والوبال يفيضها عليه مع حصول الاستعداد. وهذا معنى قوله: * (سنفرغ لكم أيه الثقلان) * لأنه تهديد وزجر عن الأمور التي بها يستحق العقاب، وسميا ثقلين لكونهما سفليين مائلين إلى أرض الجسم.
تفسير سورة الرحمن من [آية 33 - 40] * (يا معشر الجن والإنس) * أي: الباطنيين والظاهرين * (إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض) * بالتجرد عن الهيئات الجسمانية والتعلقات البدنية * (فانفذوا) * لتنخرطوا في سلك النفوس الملكية والأرواح الجبروتية، وتصلوا إلى الحضرة الإلهية * (لا تنفذون إلا بسلطان) * بحجة بينة هي التوحيد والتجريد والتفريد بالعلم والعمل والفناء في الله.
* (يرسل عليكما شواظ من نار) * أي: يمنعكما عن النفوذ من أقطارهما والترقي في أطوارهما لهب صاف عن ممازجة الدخان، أي: سلطان الوهم وأحكامه ومدركاته بإرساله الوهميات إلى حيز العقل والقلب وممانعته إياهما عن الترقي دائما * (ونحاس) * دخان، أي: هيئة ظلمانية ترسلها النفس الحيوانية بالميل إلى الهوى والشهوات، فالشواظ مانع من جهة العلم والنحاس من جهة العمل * (فلا تنتصران) * فلا تمتنعان عنهما وتغلبان عليهما فتنفذان إلا بتوفيق الله وسلطان التوحيد.
* (فإذا انشقت السماء) * أي: السماء الدنيا وهي النفس الحيوانية، وانشقاقها انفلاقها عن الروح عند زهوقه إذ الروح الإنساني نسبته إلى النفس الحيوانية كنسبته إلى البدن. فكما أن حياة البدن بالنفس فحياتها بالروح فتنشق عنه عند زهوقه بمفارقة البدن * (فكانت وردة) * أي: حمراء لأن لونها متوسط بين لون الروح المجرد وبين لون البدن، ولون الروح أبيض لنوريته وإدراكه اللذات ولون البدن أسود لظلمته وعدم شعوره