تفسير ابن عربي - ابن العربي - ج ٢ - الصفحة ٢٨٦
نور الوجود المطلق على ماهيات الأجساد الظاهرة وغروبه فيها باحتجابه بماهياتها وتعينها به فله في ربوبيته لكل موجود شروق بإيجاده بنور الوجود وظهوره به وغروب باختفائه فيه وتستره به يربه بهما.
تفسير سورة الرحمن من [آية 19 - 32] * (مرج البحرين) * بحر الهيولى الجسمانية الذي هو الملح الأجاج وبحر الروح المجرد الذي هو العذاب الفرات * (يلتقيان) * في الوجود الإنساني * (بينهما برزخ) * هو النفس الحيوانية التي ليست في صفاء الأرواح المجردة ولطافتها ولا في كدورة الأجساد الهيولانية وكثافتها * (لا يبغيان) * لا يتجاوز حدهما حده فيغلب على الآخر بخاصيته فلا الروح يجرد البدن ويمزج به ويجعله من جنسه ولا البدن يجمد الروح ويجعله ماديا، سبحان خالق الخلق القادر على ما يشاء.
* (يخرج منهما) * بتركيبهما والتقائهما لؤلؤ العلوم الكلية ومرجان العلوم الجزئية، أي: لؤلؤ الحقائق والمعارف ومرجان العلوم النافعة كالأخلاق والشرائع.
* (وله الجوار) * أي: أوضاع الشريعة ومقامات الطريقة التي يركبها السالكون، السائرون إلى الله في لجة هذا البحر المريح، فينجون ويعبرون إلى المقصد. وتشبيهها بالأعلام إشارة إلى شهرتها وكونها معروفة كما تسمى شعائر الله ومعالم الدين.
* (المنشآت) * أي: المرفوعات الشرع وشرعها الأشواق والإدارات التي تجري عند ارتفاعها وتعلقها بالعالم العلوي بقوة رياح النفحات الإلهية سفينة الشريعة والطريقة براكبها إلى مقصد الكمال الحقيقي الذي هو الفناء في الله، ولهذا قال عقيبه: * (كل من عليها فان) * أي: كل من على الجواري السائرة واصل إلى الحق بالفناء فيه، أو كل من على أرض الجسد من الأعيان المفصلة كالروح والعقل والقلب والنفس ومنازلها ومقاماتها ومراتبها، فان عند الوصول إلى المقصود * (ويبقى وجه ربك) * الباقي بعد فناء الخلق، أي: ذاته مع جميع صفاته * (ذو الجلال) * أي: العظمة والعلو بالاحتجاب بالحجب النورانية والظلمانية والظهور بصفة القهر والسلطنة * (والإكرام) * بالقرب والدنو في صور تجليات الصفات وعند ظهور الذات بصفة اللطف والرحمة.
* (يسأله من في السماوات) * من أهل الملكوت والجبروت * (ومن في الأرض) * من
(٢٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 281 282 283 284 285 286 287 288 289 290 291 ... » »»