تفسير ابن عربي - ابن العربي - ج ٢ - الصفحة ٢٥٣
سورة الفتح بسم الله الرحمن الرحيم تفسير سورة الفتح من [آية 1 - 3] * (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) * فتوح رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة: أولها: الفتح القريب المشار إليه بقوله: * (فجعل من دون ذلك فتحا قريبا) * [الفتح، الآية: 27] وهو فتح باب القلب بالترقي عن مقام النفس وذلك بالمكاشفات الغيبية والأنوار اليقينية، وقد شاركه في ذلك أكثر المؤمنين كما أشار إليه بقوله: * (وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب) * [الصف، الآية: 13]، وقوله * (فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا) * [الفتح، الآية: 18] ويلزمه البشارة بالأنوار الملكوتية والتجليات الصفاتية كما قال: * (وبشر المؤمنين) * [الأحزاب، الآية: 47]. وحصول المعارف اليقينية وكشوف الحقائق القدسية المشار إليها بقوله:
* (ومغانم كثيرة يأخذونها) * [الفتح، الآية: 19]. وثانيها: الفتح المبين بظهور أنوار الروح وترقي القلب إلى مقامه وحينئذ تترقى النفس إلى مقام القلب فتستتر صفاتها أ اللازمة إياها السابقة على فتح القلب من الهيئات المظلمة بالأنوار القلبية وتنتفي بالكلية، وذلك معنى قوله: * (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك) * وكذا الحادثة المتأخرة عنه من الهيئات النورانية المكتسبة بالتنور بالأنوار القلبية التي تظهر بها في التلوينات وتخفي حالها وهي الذنوب المشار إليها بقوله: * (وما تأخر) * ولا تنتفي هذه بالفتح القريب وإن انتفت الأولى به لأن مقام القلب لا يتم ولا يكمل إلا بعد الترقي إلا مقام الروح واستيلاء أنواره على القلب فيظهر تلوين القلب حينئذ وينتفي تلوين النفس الذي كان في مقام القلب بالكلية وتنقطع مادته ويحصل في هذا الفتح مغانم المشاهدات الروحية والمسامرات السرية. وثالثها:
الفتح المطلق المشار إليه بقوله: * (إذا جاء نصر الله والفتح) * [النصر، الآية: 1] وهو فتح باب الوحدة بالفناء المطلق والاستغراق في عين الجمع بالشهود الذاتي وظهور النور الأحدي، فهذا الفتح المذكور ها هنا هو المتوسط يترتب عليه أمور أربعة: المغفرة المذكورة وإتمام النعمة الصفاتية والمشاهدات الجمالية والجلالية بكمال مقام القلب كما ذكر، والهداية إلى طريق الوحدة الذاتية بالسلوك في الصفات وانخراق حجبها النورية وانكشاف غيومها الرقيقة حتى الوصول إلى فناء الأنية والنصرة العزيزة بالوجود الموهوب
(٢٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 248 249 250 251 252 253 254 255 256 257 258 ... » »»