تفسير ابن عربي - ابن العربي - ج ٢ - الصفحة ١٩٤
إلى آية 60] * (لا تقنطوا من رحمة الله) * فإن القنوط علامة زوال الاستعداد والسقوط عن الفطرة بالاحتجاب، وانقطاع الوصلة من الحق والبعد، إذ لو بقيت فيه مسكة من النور الأصلي لأدرك أثر رحمته الواسعة السابقة على غضبه بالذات فرجا وصول ذلك الأثر إليه، وإن أسرف في الميل إلى الجهة السفلية وفرط في جنب الحضرة الإلهية لاتصاله بعالم النور بتلك البقية. وإنما اليأس لا يكون إلا مع الاحتجاب الكلي واسوداد الوجه بالإعراض عن العالم العلوي، والتغشي بالغطاء الخلقي المادي.
* (إن الله يغفر الذنوب جميعا) * بشرط بقاء نور التوحيد في القلب وهو مستفاد من اختصاص العباد لإفاضتهم إلى نفسه في قوله: * (يا عبادي) * [الزمر، الآية: 53]، ولهذا قيل:
يغفر جميعها للأمة المحمدية الموحدين دون سائر الأمم، كما قال نوح عليه السلام: * (يغفر لكم من ذنوبكم) * [نوح، الآية: 71] أي: بعضها. * (إنه هو الغفور) * لهيئات الرذائل من الإفراط والتفريط * (الرحيم) * بإفاضة الفضائل.
* (وأنيبوا إلى ربكم) * بالتنصل عن هيئات السوء * (وأسلموا له) * وجوهكم بالتجرد عن ذنوب الأفعال والصفات من قبل انسداد باب المغفرة بوقوع العذاب الذي تستحقونه بالموت فلا يمكنكم الإنابة والتسليم لفقدان الآلات وانسداد الأبواب * (يا حسرتا على ما فرطت) * بترك السعي في طلب الكمال والتقصير في الطاعة حين كنت في جوار الله، قريبا منه، لصفاء استعدادي وتمكني من السلوك فيه بوجود الآلات البدنية المعدة لي.
* (ويوم القيامة) * الكبرى * (ترى الذين كذبوا على الله) * من المحجوبين الذين يسوونه بالمخلوقات، إذ يجسمونه ويجوزون عليه ما يمتنع عليه من الصفات لاحتجابهم بالمواد * (وجوههم مسودة) * بارتكاب الهيئات الظلمانية ورسوخ الرذائل النفسانية في ذواتهم * (أليس في جهنم) * الطبيعية الهيولانية * (مثوى للكافرين) * الذين احتجبوا بصفات نفوسهم المستولية عليهم.
تفسير سورة الزمر من [آية 61 - 67]
(١٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 199 ... » »»