* (إن الذين توفاهم الملائكة) * إلى آخره، التوفي هو: استيفاء الروح من البدن بقبضها عنه، وهو على ثلاثة أوجه: توفي الملائكة، وتوفي ملك الموت، وتوفي الله.
أما توفي الملائكة فهو لأصحاب النفوس وهم إما سعداء أهل الخير والصفات الحميدة والأخلاق الحسنة من الصالحين المتقين * (الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون 32) * [النحل، الآية: 32] فمعادهم إلى جنة الأفعال. وإما أشقياء أهل الشر والصفات الرديئة والأخلاق السيئة فلا يقبض أرواحهم إلا القوى الملكوتية التي هي للعالم بمثابة قواهم التي هم في مقامها، محتجبون بصفات النفس ولذات القوى الخيالية والوهمية والسبعية والبهيمية من الكافرين: * (الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم) * [النحل، الآية: 28] فمعادهم إلى النار. وأما توفي ملك الموت فهو لأرباب القلوب الذين برزوا عن حجاب النفس إلى مقام القلب، ورجعوا إلى الفطرة، فتنوروا بنورها، فتقبض أرواحهم النفس الناطقة الكلية التي هي قلب العالم باتصالهم بها، هذا إذا قبض أرواحهم ملك الموت بنفسه، أما إذا قبض بأعوانه وقواهم فهم الفريق الأول. وقد يقبض بنفسه ويذرهم في ملكوت العذاب حتى يحاسبوا ويعاقبوا بحسب رذائلهم ويتخلصوا، وذلك للكمال العلمي والنقصان العلمي كما خلص من الجهل والشرك وتحلى بالعلم والتوحيد، ولكن تراكمت على قلبه الهيئات المظلمة والملكات الرديئة بسبب الأعمال السيئة والأخلاق الذميمة. وللعلم بالتوحيد والجهل بالمعاد كالموحد المنكر للجزاء، فينهمك في المعاصي كما قال تعالى: * (قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم) * [السجدة، الآية: 11]. وأما توفي الله تعالى، فهو للموحدين الذين عرجوا عن مقام القلب إلى محل الشهود فلم يبق بينهم وبين ربهم حجاب، فهو يتولى قبض أرواحهم بنفسه ويحشرهم إلى نفسه * (يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا 85) * [مريم، الآية: 85]، كما قال تعالى: * (الله يتوفى الأنفس حين موتها) * [الزمر، الآية: 42].
* (ظالمي أنفسهم) * بمنعها عن حقوقها التي اقتضتها استعداداتهم من الكمالات المودعة فيها * (فيم كنتم) * حيث قصرتم في السعي لما قدرتم وفرطتم في جنب الله، وقصرتم عن بلوغ كمالكم الذي هيئ لكم وندبتم إليه * (قالوا كنا مستضعفين) * في أرض الاستعداد الذي جبلنا عليه باستيلاء قوى النفس الأمارة وغلبة سلطان الهوى بشيطان الوهم، أسرونا في قيودهم، وجبرونا على دينهم، وأكرهونا على كفرهم.