تفسير ابن عربي - ابن العربي - ج ١ - الصفحة ١٦٦
شهيد بحسب ما دعاهم إليه نبيهم وعرفه لهم وما دعاهم إلا إلى ما وصل إليه من مقامه في المعرفة، ولا يبعث نبي إلا بحسب استعداد أمته فهم يعرفون الله بنور استعدادهم في صورة كمال نبيهم. ولهذا ورد في الحديث: إن الله يتجلى لعباده في صورة معتقدهم، فيعرفه كل واحد من الملل والمذاهب، ثم يتحول عن تلك الصورة، فيبرز في صورة أخرى فلا يعرفه إلا الموحدون الداخلون في حضرة الأحدية من كل باب. وكما أن لكل أمة شهيدا، فكذلك لكل أهل مذهب شهيد، ولكل واحد شهيد يكشف عن حال مشهوده، وأما المحمديون فشهيدهم الله المحبوب الموصوف بجميع الصفات لمكان كمال نبيهم وكونه حبيبا مؤتى جوامع الكلم، متمما لمكارم الأخلاق، فلا جرم يعرفونه عند التحول في جميع الصور إذا تابعوا نبيهم حق المتابعة، وكانوا أوحديين محبوبين كنبيهم.
[تفسير سورة النساء من آية 42 إلى آية 43] * (يومئذ يود الذين كفروا) * بالاحتجاب عن الحق * (وعصوا الرسول) * بالاحتجاب عن الدين * (لو تسوى بهم) * أرض الاستعداد، فتنطمس نفوسهم أو تصير ساذجة لا نقش فيها من العقائد الفاسدة الرذائل الموبقة * (ولا يكتمون الله حديثا) * أي: لا يقدرون على كتم حديث من تلك النقوش حتى لا يتعذبون بعقابه.
* (يا أيها الذين آمنوا) * بالإيمان العلمي، فإن المؤمن بالإيمان العيني لا يكون في صلاته غافلا * (لا تقربوا الصلاة) * أي: لا تقربوا مقام الحضور والمناجاة مع الله في حال كونكم * (سكارى) * من نوم الغفلة، أو من خمور الهوى ومحبة الدنيا * (حتى تعلموا ما تقولون) * في مناجاتكم ولا تشتغل قلوبكم بأشغال الدنيا ووساوسها فتذهلوا عنه، ولا في حال كونكم بعداء عن الحق بشدة الميل إلى النفس ومباشرة لذاتها وشهواتها وحظوظها والركون إليها * (إلا عابري سبيل) * أي: مارين عليها، سالكي طريق من طرق تمتعاتها بقدر الضرورة والمصلحة كعبور طريق الاغتذاء بالمطعم والمشرب لسد الرمق وحفظ القوة، والاكتساء لدفع الحر والبرد وستر العورة، والمباشرة لحفظ النسل لا منجذبين إليها بالكلية بمجرد الهوى فتنطبع فيكم فلا يمكن زوالها أو يتعذر * (حتى تغتسلوا) * أي: تتطهروا عن تلك الهيئة الحاصلة من الانجذاب
(١٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 ... » »»