تفسير الرازي - الرازي - ج ١ - الصفحة ٩٥
فتمسكوا بمن يرى الشيطان ولا يراه الشيطان، وهو الله سبحانه وتعالى فقولوا: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
النكتة الخامسة عشرة: أدخل الألف واللام في الشيطان ليكون تعريفا للجنس؛ لأن الشياطين كثيرة مرئية وغير مرئية، بل المرئي ربما كان أشد، حكي عن بعض المذكرين أنه قال في مجلسه: إن الرجل إذا أراد أن يتصدق فإنه يأتيه سبعون شيطانا فيتعلقون بيديه ورجليه وقلبه ويمنعونه من الصدقة، فلما سمع بعض القوم ذلك فقال : إني أقاتل هؤلاء السبعين، وخرج من المسجد وأتى المنزل وملأ ذيله من الحنطة وأراد أن يخرج ويتصدق به فوثبت زوجته وجعلت تنازعه وتحاربه حتى أخرجت ذلك من ذيله، فرجع الرجل خائبا إلى المسجد فقال المذكر: ماذا عملت؟ فقال: هزمت السبعين فجاءت أمهم فهزمتني، وأما إن جعلنا الألف واللام للعهد فهو أيضا جائز لأن جميع المعاصي برضى هذا الشيطان، والراضي يجري مجرى الفاعل له، وإذا استبعدت ذلك فأعرفه بالمسألة الشرعية، فإن عند أبي حنيفة قراءة الإمام قراءة للمقتدى من حيث رضي بها وسكت خلفه.
النكتة السادسة عشرة: الشيطان مأخوذ من " شطن " إذا بعد فحكم عليه بكونه بعيدا، وأما المطيع فقريب قال الله تعالى: * (واسجد واقترب) * (العلق: 19) والله قريب منك قال الله تعالى: * (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب) * (البقرة: 186) وأما الرجيم فهو المرجوم بمعنى كونه مرميا بسهم اللعن والشقاوة وأما أنت فموصول بحبل السعادة قال الله تعالى: * (وألزمهم كلمة التقوى) * (الفتح: 26) فدل هذا على أنه جعل الشيطان بعيدا مرجوما، وجعلك قريبا موصولا، ثم إنه تعالى أخبر أنه لا يجعل الشيطان الذي هو بعيد قريبا لأنه تعالى قال: * (ولن تجد لسنة الله تحويلا) * (فاطر: 43) فاعرف أنه لما جعلك قريبا فإنه لا يطردك ولا يبعدك عن فضله ورحمته.
النكتة السابعة عشرة: قال جعفر الصادق: إنه لا بد قبل القراءة من التعوذ، وأما سائر الطاعات فإنه لا يتعوذ فيها، والحكمة فيه أن العبد قد ينجس لسانه بالكذب والغيبة والنميمة فأمر الله تعالى العبد بالتعوذ ليصير لسانه طاهرا فيقرأ بلسان طاهر كلاما أنزل من رب طيب طاهر.
النكتة الثامنة عشرة: كأنه تعالى يقول: إنه شيطان رجيم، وأنا رحمن رحيم، فابعد عن الشيطان الرجيم لتصل إلى الرحمن الرحيم.
النكتة التاسعة عشرة: الشيطان عدوك، وأنت عنه غافل غائب، قال تعالى: * (إنه يراكم
(٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 ... » »»