تفسير الرازي - الرازي - ج ١ - الصفحة ٩٢
النكتة الخامسة: الشيطان عدو الإنسان كما قال تعالى: * (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا) * (فاطر: 6) والرحمن مولى الإنسان وخالقه ومصلح مهماته ثم إن الإنسان عند شروعه في الطاعات والعبادات خاف العدو فاجتهد في أن يتحرى مرضاة مالكه ليخلصه من زحمة ذلك العدو، فلما وصل الحضرة وشاهد أنواع البهجة والكرامة نسي العدو وأقبل بالكلية على خدمة الحبيب، فالمقام الأول: هو الفرار وهو قوله: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) والمقام الثاني: وهو الاستقرار في حضرة الملك الجبار فهو قوله: (بسم الله الرحمن الرحيم).
النكتة السادسة: قال تعالى: * (لا يمسه إلا المطهرون) * (الواقعة: 79) فالقلب لما تعلق بغير الله واللسان لما جرى بذكر غير الله حصل فيه نوع من اللوث، فلا بد من استعمال الطهور، فلما قال: * (أعوذ بالله) * حصل الطهور، فعند ذلك يستعد للصلاة الحقيقية وهي ذكر الله تعالى فقال: * (بسم الله) *.
النكتة السابعة: قال أرباب الإشارات: لك عدوان أحدهما ظاهر والآخر باطن، وأنت مأمور بمحاربتهما قال تعالى في العدو الظاهر: * (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله) * (التوبة: 29) وقال في العدو الباطن: * (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا) * (فاطر: 6) فكأنه تعالى قال: إذا حاربت عدوك الظاهر كان مددك الملك، كما قال تعالى: * (يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين) * (آل عمران: 125) وإذا حاربت عدوك الباطن كان مددك الملك كما قال تعالى: * (إن عبادي ليس لك عليم سلطان) * (الحجر: 42) وأيضا فمحاربة العدو الباطن أولى من محاربة العدو الظاهر؛ لأن العدو الظاهر إن وجد فرصة ففي متاع الدنيا، والعدو الباطن إن وجد فرصة ففي الدين واليقين، وأيضا فالعدو الظاهر إن غلبنا كنا مأجورين، والعدو الباطن إن غلبنا كنا مفتونين، وأيضا فمن قتله العدو الظاهر كان شهيدا، ومن قتله العدو الباطن كان طريدا، فكان الاحتراز عن شر العدو الباطن أولى، وذلك لا يكون إلا بأن يقول الرجل بقلبه ولسانه (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم). النكتة الثامنة: إن قلب المؤمن أشرف البقاع، فلا تجد ديارا طيبة ولا بساتين عامرة ولا رياضا ناضرة إلا وقلب المؤمن أشرف منها، بل قلب المؤمن كالمرآة في الصفاء، بل فوق المرآة، لأن المرآة إن عرض عليها حجاب لم ير فيها شيء وقلب المؤمن لا يحجبه السماوات السبع والكرسي والعرش كما قال تعالى: * (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) * (فاطر: 10) بل القلب مع جميع هذه الحجب يطالع جلال الربوبية ويحيط علما بالصفات الصمدية، ومما يدل على أن القلب أشرف البقاع وجوه: الأول: أنه عليه الصلاة والسلام قال: " القبر روضة من رياض الجنة " وما ذاك إلا أنه صار مكان عبد صالح ميت، فإذا كان القلب
(٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 ... » »»