تفسير الرازي - الرازي - ج ١ - الصفحة ٢٣٦
عن البيت بسبب الإفك فكأنه تعالى قال له إن لك رحمة واحدة وهي قوله: * (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) * (الأنبياء: 107) والرحمة الواحدة لا تكفي في إصلاح عالم المخلوقات، فذرني وعبيدي واتركني وأمتك فإني أنا الرحمن الرحيم، فرحمتي لا نهاية لها، ومعصيتهم متناهية، والمتناهي في جنب غير المتناهي يصير فانيا، فلا جرم معاصي جميع الخلق تفنى في بحار رحمتي، لأني أنا الرحمن الرحيم.
الفائدة السابعة: قالت القدرية: كيف يكون رحمانا رحيما من خلق الخلق للنار ولعذاب الأبد؟ وكيف يكون رحمانا رحيما من يخلق الكفر في الكافر ويعذبه عليه؟ وكيف يكون رحمانا رحيما من أمر بالإيمان ثم صد ومنع عنه؟ وقالت الجبرية: أعظم أنواع النعمة والرحمة هو الإيمان فلو لم يكن الإيمان من الله بل كان من العبد لكان اسم الرحمن الرحيم بالعبد أولى منه بالله، والله أعلم. الفصل الرابع في تفسير قوله مالك يوم الدين، وفيه فوائد تفسير (مالك يوم الدين):
الفائدة الأولى: قوله مالك يوم الدين، أي: مالك يوم البعث والجزاء، وتقريره أنه لا بد من الفرق بين المحسن والمسئ، والمطيع والعاصي، والموافق والمخالف، وذلك لا يظهر إلا في يوم الجزاء كما قال تعالى: * (ليجزي الذين أساؤا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى) * (النجم: 31) وقال تعالى: * (أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار) * (ص: 28) وقال: * (إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزي كل نفس بما تسعى) * (طه: 15) واعلم أن من سلط الظالم على المظلوم ثم إنه لا ينتقم منه فذاك إما للعجز أو للجهل أو لكونه راضيا بذلك الظلم، وهذه الصفات الثلاث على الله تعالى محال، فوجب أن ينتقم للمظلومين من الظالمين، ولما لم يحصل هذا الانتقام في دار الدنيا وجب أن يحصل في دار الأخرى بعد دار الدنيا، وذلك هو المراد بقوله: * (مالك يوم الدين) * (الفاتحة: 4) وبقوله: * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره) * (الزلزلة: 7) الآية روي أنه يجاء برجل يوم القيامة فينظر في أحوال نفسه فلا يرى لنفسه حسنة البتة، فيأتيه النداء، يا فلان أدخل الجنة بعملك، فيقول: إلهي، ماذا عملت؟ فيقول الله تعالى: ألست لما كنت نائما تقلبت من جنب إلى جنب ليلة كذا فقلت في خلال ذلك " الله " ثم غلبك النوم في الحال فنسيت
(٢٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 231 232 233 234 235 236 237 238 239 240 241 ... » »»