تفسير الرازي - الرازي - ج ١ - الصفحة ٢٣٢
والتقدير: إني أحب الحمد فنسبته إلى نفسي بكونه ملكا لي ثم لما ذكرت نفسي عرفت نفسي بكوني ربا للعالمين، ومن عرف ذاتا بصفة فإنه يحاول ذكر أحسن الصفات وأكملها، وذلك يدل على أن كونه ربا للعالمين أكمل الصفات، والأمر كذلك؛ لأن أكمل المراتب أن يكون تاما، وفوق التمام، فقولنا الله يدل على كونه واجب الوجود لذاته في ذاته وبذاته وهو التمام، وقوله رب العالمين معناه أن وجود كل ما سواه فائض عن تربيته وإحسانه وجوده وهو المراد من قولنا أنه فوق التمام.
الفائدة السادسة: أنه يملك عبادا غيرك كما قال: * (وما يعلم جنود ربك إلا هو) * (المدثر: 31) وأنت ليس لك رب سواه، ثم أنه يربيك كأنه ليس له عبد سواك وأنت تخدمه كأن لك ربا غيره، فما أحسن هذه التربية أليس أنه يحفظك في النهار عن الآفات من غير عوض، وبالليل عن المخافات من غير عوض؟ واعلم أن الحراس يحرسون الملك كل ليلة، فهل يحرسونه عن لدغ الحشرات وهل يحرسونه عن أن تنزل به البليات؟ أما الحق تعالى فإنه يحرسه من الآفات، ويصونه من المخافات؛ بعد أن كان قد زج أول الليل في أنواع المحظورات وأقسام المحرمات والمنكرات، فما أكبر هذه التربية وما أحسنها، أليس من التربية أنه صلى الله عليه وسلم قال: " الآدمي بنيان الرب، ملعون من هدم بنيان الرب "؛ فلهذا المعنى قال تعالى: * (قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن) * (الأنبياء: 42) ما ذاك إلا الملك الجبار، والواحد القهار، ومقلب القلوب والأبصار، والمطلع على الضمائر والأسرار.
الفائدة السابعة: قالت القدرية: إنما يكون تعالى ربا للعالمين ومربيا لهم لو كان محسنا إليهم دافعا للمضار عنهم، أما إذا خلق الكفر في الكافر ثم يعذبه عليه؛ ويأمر بالإيمان ثم يمنعه منه؛ لم يكن ربا ولا مربيا، بل كان ضارا ومؤذيا، وقالت الجبرية: إنما سيكون ربا ومربيا لو كانت النعمة صادرة منه والألطاف فائضة من رحمته، ولما كان الإيمان أعظم النعم وأجلها وجب أن يكون حصولها من الله تعالى ليكون ربا للعالمين إليهم محسنا بخلق الإيمان فيهم.
الفائدة الثامنة: قولنا: " الله " أشرف من قولنا: " رب " على ما بينا ذلك بالوجوه الكثيرة في تفسير أسماء الله تعالى، ثم أن الداعي في أكثر الأمر يقول: يا رب، يا رب، والسبب فيه النكت والوجوه المذكورة في تفسير أسماء الله تعالى فلا نعيدها.
(٢٣٢)
مفاتيح البحث: يوم عرفة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 227 228 229 230 231 232 233 234 235 236 237 ... » »»