تفسير الرازي - الرازي - ج ١ - الصفحة ٢٣٩
من أذن له الرحمن وقال صوبا) * (النبأ: 38) وقوله تعالى: * (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) * (البقرة: 255) وقال في صفة الملائكة: * (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) * (الأنبياء: 28) فيا أيها الملوك لا تغتروا بمالكم من المال والملك فإنكم أسراء في قبضة قدرة مالك يوم الدين ويا أيها الرعية إذا كنتم تخافون سياسة الملك أفما تخافون سياسة ملك الملوك الذي هو مالك يوم الدين.
الحكم الثاني: من أحكام كونه تعالى ملكا أنه ملك لا يشبه سائر الملوك لأنهم إن تصدقوا بشيء انتقص ملكهم، وقلت خزائنهم؛ أما الحق سبحانه وتعالى فملكه لا ينتقص بالعطاء والإحسان، بل يزداد، بيانه أنه تعالى إذا أعطاك ولدا واحدا لم يتوجه حكمه إلا على ذلك الولد الواحد، أما لو أعطاك عشرة من الأولاد كان حكمه وتكليفه لازما على الكل، فثبت أنه تعالى كلما كان أكثر عطاء كان أوسع ملكا. الحكم الثالث: من أحكام كونه ملكا كمال الرحمة، والدليل عليه آيات: إحداها: ما ذكر في هذه السورة من كونه ربا رحمانا رحيما وثانيها: قوله تعالى: * (هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم) * ثم قال بعده: * (هو الله الذي لا إله إلا هو الملك) * (الحشر: 22، 23) ثم ذكر بعده كونه قدوسا عن الظلم والجور، ثم ذكر بعده كونه سلاما، وهو الذي سلم عباده من ظلمه وجوره، ثم ذكر بعده كونه مؤمنا، وهو الذي يؤمن عبيده عن جوره وظلمه، فثبت أن كونه ملكا لا يتم إلا مع كمال الرحمة. وثالثها: قوله تعالى: * (الملك يومئذ الحق للرحمن) * (الفرقان: 26) لما أثبت لنفسه الملك أردفه بأن وصف نفسه بكونه رحمانا، يعني إن كان ثبوت الملك له في ذلك اليوم يدل على كمال القهر، فكونه رحمانا يدل على زوال الخوف وحصول الرحمة. ورابعها: قوله تعالى: * (قل أعوذ برب الناس ملك الناس) * فذكر أولا كونه ربا للناس ثم أردفه بكونه ملكا للناس، وهذه الآيات دالة على أن الملك لا يحسن ولا يكمل إلا مع الإحسان والرحمة، فيا أيها الملوك اسمعوا هذه الآيات وارحموا هؤلاء المساكين ولا تطلبوا مرتبة زائدة في الملك على ملك الله تعالى. الحكم الرابع: للملك أنه يجب على الرعية طاعته فإن خالفوه ولم يطيعوه وقع الهرج والمرج في العالم وحصل الاضطراب والتشويش ودعا ذلك إلى تخريب العالم وفناء الخلق، فلما شاهدتم أن مخالفة الملك المجازي تفضي آخر الأمر إلى تخريب العالم وفناء الخلق فانظروا إلى مخالفة ملك الملوك كيف يكون تأثيرها في زوال المصالح وحصول المفاسد؟ وتمام تقريره أنه تعالى بين أن الكفر سبب لخراب العالم، قال تعالى: * (تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هذا أن دعوا للرحمن ولدا) * (مريم: 90، 91) وبين أن طاعته سبب للمصالح قال تعالى: * (وأمر أهلك بالصلاة
(٢٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 234 235 236 237 238 239 240 241 242 243 244 ... » »»