تفسير الرازي - الرازي - ج ١ - الصفحة ٢٣٣
الفصل الثالث في تفسير قوله الرحمن الرحيم، وفيه فوائد تفسير (الرحمن الرحيم):
الفائدة الأولى: الرحمن: هو المنعم بما لا يتصور صدور جنسه من العباد، والرحيم: هو المنعم بما يتصور جنسه من العباد، حكي عن إبراهيم بن أدهم أنه قال كنت ضيفا لبعض القوم فقدم المائدة، فنزل غراب وسلب رغيفا، فاتبعته تعجبا، فنزل في بعض التلال، وإذا هو برجل مقيد مشدود اليدين فألقى الغراب ذلك الرغيف على وجهه. وروى ذي النون أنه قال: كنت في البيت إذ وقعت ولولة في قلبي، وصرت بحيث ما ملكت نفسي، فخرجت من البيت وانتهيت إلى شط النيل، فرأيت عقربا قويا يعدو فتبعته فوصل إلى طرف النيل فرأيت ضفدعا واقفا على طرف الوادي، فوثب العقرب على ظهر الضفدع وأخذ الضفدع يسبح ويذهب، فركبت السفينة وتبعته فوصل الضفدع إلى الطرف الآخر من النيل، ونزل العقرب من ظهره، وأخذ يعدو فتبعته، فرأيت شابا نائما تحت شجرة، ورأيت أفعى يقصده فلما قربت الأفعى من ذلك الشاب وصل العقرب إلى الأفعى فوثب العقرب على الأفعى فلدغه، والأفعى أيضا لدغ العقرب، فماتا معا، وسلم ذلك الإنسان منهما. ويحكى أن ولد الغراب كما يخرج من قشر البيضة يخرج من غير ريش فيكون كأنه قطعة لحم أحمر، والغراب يفر منه ولا يقوم بتربيته، ثم أن البعوض يجتمع عليه لأنه يشبه قطعة لحم ميت، فإذا وصلت البعوض إليه التقم تلك البعوض واغتذى بها، ولا يزال على هذه الحال إلى أن يقوى وينبت ريشه ويخفى لحمه تحت ريشه، فعند ذلك تعود أمه إليه، ولهذا السبب جاء في أدعية العرب: يا رازق النعاب في عشه، فظهر بهذه الأمثلة أن فضل الله عام، وإحسانه شامل، ورحمته واسعة. واعلم أن الحوادث على قسمين: منه ما يظن أنه رحمة مع أنه لا يكون كذلك، بل يكون في الحقيقة عذابا ونقمة، ومنه ما يظن في الظاهر أنه عذاب ونقمة، مع أنه يكون في الحقيقة فضلا وإحسانا ورحمة: أما القسم الأول: فالوالد إذا أهمل ولده حتى يفعل ما يشاء ولا يؤدبه ولا يحمله على التعلم، فهذا في الظاهر رحمة وفي الباطن نقمة. وأما القسم الثاني: كالوالد إذا حبس ولده في المكتب وحمله على التعلم فهذا في الظاهر نقمة، وفي الحقيقة رحمة، وكذلك
(٢٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 228 229 230 231 232 233 234 235 236 237 238 ... » »»