تفسير الرازي - الرازي - ج ١ - الصفحة ٢٣٠
الفائدة الثانية: المربي على قسمين: أحدهما: أن يربي شيئا ليربح عليه المربي، والثاني: أن يربيه ليربح المربي، وتربية كل الخلق على القسم الأول، لأنهم إنما يربون غيرهم ليربحوا عليه إما ثوابا أو ثناء، والقسم الثاني: هو الحق سبحانه، كما قال: خلقتكم لتربحوا على لا لأربح عليكم فهو تعالى يربي ويحسن، وهو بخلاف سائر المربين وبخلاف سائر المحسنين.
واعلم أن تربيته تعالى مخالفة لتربية غيره، وبيانه من وجوه: الأول: ما ذكرناه أنه تعالى يربي عبيده لا لغرض نفسه بل لغرضهم وغيره يربون لغرض أنفسهم لا لغرض غيرهم، الثاني: أن غيره إذا ربى فبقدر تلك التربية يظهر النقصان في خزائنه وفي ماله وهو تعالى متعال عن النقصان والضرر، كما قال تعالى: * (وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم) *. (الحجر: 21) الثالث: أن غيره من المحسنين إذا ألح الفقير عليه أبغضه وحرمه ومنعه، والحق تعالى بخلاف ذلك، كما قال عليه الصلاة والسلام إن الله تعالى يحب الملحين في الدعاء. الرابع: أن غيره من المحسنين ما لم يطلب منه الإحسان لم يعط، أما الحق تعالى فإنه يعطي قبل السؤال، ألا ترى أنه رباك حال ما كنت جنينا في رحم الأم، وحال ما كنت جاهلا غير عاقل، لا تحسن أن تسأل منه ووقاك وأحسن إليك مع أنك ما سألته وما كان لك عقل ولا هداية. الخامس: أن غيره من المحسنين ينقطع إحسانه إما بسبب الفقر أو الغيبة أو الموت، والحق تعالى لا ينقطع إحسانه البتة. السادس: أن غيره من المحسنين يختص إحسانه بقوم دون قوم ولا يمكنه التعميم أما الحق تعالى فقد وصل تربيته وإحسانه إلى الكل كما قال: * (ورحمتي وسعت كل شيء) * (الأعراف: 156) فثبت أنه تعالى رب العالمين ومحسن إلى الخلائق أجمعين، فلهذا قال تعالى في حق نفسه الحمد لله رب العالمين.
الفائدة الثالثة: أن الذي يحمد ويمدح ويعظم في الدنيا إنما يكون كذلك لأحد وجوه أربعة؛ إما لكونه كاملا في ذاته وفي صفاته منزها عن جميع النقائص والآفات وإن لم يكن منه إحسان إليك، وأما لكونه محسنا إليك ومنعما عليك، وإما لأنك ترجو وصول إحسانه إليك في المستقبل من الزمان، وإما لأجل أنك تكون خائفا من قهره وقدرته وكمال سطوته، فهذه الحالات هي الجهات الموجبة للتعظيم، فكأنه سبحانه وتعالى يقول: إن كنتم ممن يعظمون الكمال الذاتي فاحمدوني فإني إله العالمين، وهو المراد من قوله الحمد لله، وإن كنتم ممن تعظمون الإحسان فأنا رب العالمين، وإن كنتم تعظمون للطمع في المستقبل فإنا الرحمن الرحيم، وإن كنتم تعظمون للخوف فإنا مالك يوم الدين.
(٢٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 225 226 227 228 229 230 231 232 233 234 235 ... » »»