تفسير الرازي - الرازي - ج ١ - الصفحة ٢٢٦
وأفضل كان استحقاقه للحمد أكثر، ولا شك أن أشرف المخلوقات هو الإيمان، فلو كان الإيمان فعلا للعبد لكان استحقاق العبد للحمد أولى وأجل من استحقاق الله له ولما لم يكن كذلك علمنا أن الإيمان حصل بخلق الله لا بخلق العبد، الثاني: أجمعت الأمة على قولهم الحمد لله على نعمة الإيمان لو كان الإيمان فعلا للعبد وما كان فعلا لله لكان قولهم الحمد لله على نعمة الإيمان باطلا فإن حمد الفاعل على ما لا يكون فعلا له باطن قبيح لقوله تعالى: * (ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا) * (آل عمران: 188) الثالث: أنا قد دللنا على أن قوله الحمد لله يدل ظاهرة على أن كل الحمد لله وأنه ليس لغير الله حمد أصلا وإنما يكون كل الحمد لله لو كان كل النعم من الله والإيمان أفضل النعم فوجب أن يكون الإيمان من الله، الرابع: أن قوله الحمد لله مدح منه لنفسه ومدح النفس مستقبح فيما بين الخلق، فلما بدأ كتابه بمدح النفس دل ذلك على أن حاله بخلاف حال الخلق وأنه يحسن من الله ما يقبح من الخلق، وذلك يدل على أنه تعالى مقدس عن أن تقاس أفعاله على أفعال الخلق، فقد تقبح أشياء من العباد ولا تقبح تلك الأشياء من الله تعالى، وهذا يهدم أصول الاعتزال بالكلية. والخامس: إن عند المعتزلة أفعاله تعالى يجب أن تكون حسنة ويجب أن تكون لها صفة زائدة على الحسن، وإلا كانت عبثا، وذلك في حقه محال، والزائدة على الحسن إما أن تكون واجبة، وإما أن تكون من باب التفضل: أما الواجب فهو مثل إيصال الثواب والعوض إلى المكلفين، وأما الذي يكون من باب التفضل فهو مثل أنه يزيد على قدر الواجب على سبيل الإحسان، فنقول: هذا يقدح في كونه تعالى مستحقا للحمد، ويبطل صحة قولنا الحمد لله، وتقريره أن نقول: أما أداء الواجبات فإنه لا يفيد استحقاق الحمد ألا ترى أن من كان له على غيره دين دينار فأداه فإنه لا يستحق الحمد، فلو وجب على الله فعل لكان ذلك الفعل مخلصا له عن الذم ولا يوجب استحقاقه للحمد، وأما فعل التفضل فعند الخصم أنه يستفيد بذلك مزيد حمد لأنه لو لم يصدر عنه ذلك الفعل لما حصل له ذلك الحمد، وإذا كان كذلك كانا ناقصا لذاته مستكملا بغيره، وذلك يمنع من كونه تعالى مستحقا للحمد والمدح. السادس: قوله الحمد لله يدل على أنه تعالى محمود، فنقول: استحقاقه الحمد والمدح إما أن يكون أمرا ثابتا له لذاته أوليس ثابتا له لذاته، فإن كان الأول امتنع أن يكون شيء من الأفعال موجبا له استحقاق المدح، لأن ما ثبت لذاته امتنع ثبوته لغيره، وامتنع أيضا أن يكون شيء من الأفعال موجبا له استحقاق الذم، لأن ما ثبت لذاته امتنع ارتفاعه بسبب غيره، وإذا كان كذلك لم يتقرر في حقه تعالى وجوب شيء عليه، فوجب أن لا يجب للعباد عليه شيء من الأعواض
(٢٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 221 222 223 224 225 226 227 228 229 230 231 ... » »»