لقوله تعالى: * (وهو يطعم ولا يطعم) * (الأنعام: 14) ولأنه هو الموجد لقوله تعالى: * (قل كل من عند الله) * فهو سبحانه وتعالى قهار للعدم بالوجود والتحصيل، جبار لها بالقوة والفعل والتكميل، فكان في الحقيقة هو الله ولا شيء سواه.
وههنا لطائف وفوائد: الفائدة الأولى: عادة المديون أنه إذا رأى صاحب الدين من البعد فإنه يفر منه، والله الكريم يقول: عبادي: أنتم غرمائي بكثرة ذنوبكم، ولكن لا تفروا مني، بل أقول: * (ففروا إلى الله) * (الذاريات: 50) فإني أنا الذي أقضي ديونكم وأغفر ذنوبكم، وأيضا الملوك يغلقون أبوابهم عن الفقراء دون الأغنياء، وأنا أفعل ضد ذلك.
الفائدة الثانية: قال صلى الله عليه وسلم: إن لله تعالى مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والطير والبهائم والهوام فبها يتعاطفون ويتراحمون، وأخر تسعة وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة، وأقول: إنه صلى الله عليه وسلم إنما ذكر هذا الكلام على سبيل التفهيم، وإلا فبحار الرحمة غير متناهية فكيف يعقل تحديدها بحد معين.
الفائدة الثالثة: قال صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل يقول يوم القيامة للمذنبين: هل أحببتم لقائي؟ فيقولون: نعم يا رب، فيقول الله تعالى: ولم؟ فيقولون: رجونا عفوك وفضلك، فيقول الله تعالى: إني قد أوجبت لكم مغفرتي.
الفائدة الرابعة: قال عبد الله بن عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله عز وجل ينشر على بعض عباده يوم القيامة تسعة وتسعين سجلا كل واحد منها مثل مد البصر فيقول له: هل تنكر من هذا شيئا؟ هل ظلمك الكرام الكاتبون؟ فيقول: لا يا رب، فيقول الله تعالى: فهل كان لك عذر في عمل هذه الذنوب؟ فيقول: لا يا رب، فيضع ذلك العبد قلبه على النار فيقول الله تعالى: إن لك عندي حسنة وإنه لا ظلم اليوم، ثم يخرج بطاقة فيها:
" أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله " فيقول العبد: يا رب، كيف تقع هذه البطاقة في مقابلة هذه السجلات؟ فتوضع البطاقة في كفة والسجلات في كفة أخرى، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة ولا يثقل مع ذكر الله شيء.
الفائدة الخامسة: وقف صبي في بعض الغزوات ينادي عليه في من يزيد في يوم صائف شديد الحر، فبصرت به امرأة فعدت إلى الصبي وأخذته وألصقته إلى بطنها، ثم ألقت ظهرها على البطحاء وأجلسته على بطنها تقيه الحر، وقالت: ابني، ابني، فبكى الناس وتركوا ما هم فيه فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وقف عليهم فأخبروه الخبر، فقال: أعجبتم من رحمة