تفسير الرازي - الرازي - ج ١ - الصفحة ١٥٩
العبادة عنها. الرابع: أن المعبود ليس له بكونه معبودا صفة؛ لأنه لا معنى لكونه معبودا إلا أنه مذكور بذكر ذلك الإنسان، ومعلوم بعلمه، ومراد خدمته بإرادته، وعلى هذا التقدير فلا تكون الإلهية صفة لله تعالى. الخامس: يلزم أن يقال: إنه تعالى ما كان إلها في الأزل.
الفرع الرابع: من الناس من قال: الإله ليس عبارة عن المعبود، بل الإله هو الذي يستحق أن يكون معبودا، وهذا القول أيضا يرد عليه أن لا يكون إلها للجمادات والبهائم والأطفال والمجانين، وأن لا يكون إلها في الأزل، ومنهم من قال: إنه القادر على أفعال لو فعلها لاستحق العبادة ممن يصح صدور العبادة عنه، واعلم أن إن فسرنا الإله بالتفسيرين الأولين لم يكن إلها في الأزل، ولو فسرناه بالتفسير الثالث كان إلها في الأزل.
التفسير الثاني: الإله مشتق من ألهت إلى فلان، أي: سكنت إليه، فالعقول لا تسكن إلا إلى ذكره والأرواح لا تعرج إلا بمعرفته، وبيانه من وجوه: الأول: أن الكمال محبوب لذاته، وما سوى الحق فهو ناقص لذاته؛ لأن الممكن من حيث هو هو معدوم، والعدم أصل النقصان والناقص بذاته لا يكمل إلا بتكميل الكامل بذاته، فإذا كان الكامل محبوبا لذاته وثبت أن الحق كامل لذاته وجب كونه محبوبا لذاته. الثاني: أن كل ما سواه فهو ممكن لذاته، والممكن لذاته لا يقف عند نفسه، بل يبقى متعلقا بغيره، لأنه لا يوجد إلا بوجود غيره، فعلى هذا كل ممكن فإنه لا يقف عند نفسه بل ما لم يتعلق بالواجب لذاته لم يوجد، وإذا كان الأمر كذلك في الوجود الخارجي وجب أن يكون كذلك في الوجود العقلي، فالعقول مترقبة إلى عتبة رحمته والخواطر متمسكة بذيل فضله وكرمه، وهذان الوجهان عليهما التعويل في تفسير قوله تعالى: * (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) * (الرعد: 28).
التفسير الثالث: أنه مشتق من الوله، وهو ذهاب العقل. واعلم أن الخلق قسمان: واصلون إلى ساحل بحر معرفته، ومحرومون، فالمحرومون قد بقوا في ظلمات الحيرة وتيه الجهالة فكأنهم فقدوا عقولهم وأرواحهم، وأما الواجدون فقد وصلوا إلى عرصة النور وفسحة الكبرياء والجلال، فتاهوا في ميادين الصمدية، وبادوا في عرصة الفردانية، فثبت أن الخلق كلهم والهون في معرفته، فلا جرم كان الإله الحق للخلق هو هو، وبعبارة أخرى وهي أن الأرواح البشرية تسابقت في ميادين التوحيد والتمجيد فبعضها تخلفت وبعضها سبقت فالتي تخلفت بقيت في ظلمات الغبار والتي سبقت وصلت إلى عالم الأنوار، فالأولون بادوا في أودية الظلمات، والآخرون طاشوا في أنوار عالم الكرامات.
(١٥٩)
مفاتيح البحث: الكرم، الكرامة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 ... » »»