تفسير الرازي - الرازي - ج ١ - الصفحة ١٢٠
وأقول: إن كل شيء حصل به أمر من الأمور فإن كان اللفظ الدال على ذلك الشيء مذكرا قيل إنه ذو ذلك الأمر، وإن كان مؤنثا قيل إنها ذات ذلك الأمر، فهذه اللفظة وضعت لإفادة هذه النسبة والدلالة على ثبوت هذه الإضافة، إذا عرفت هذا فنقول: إنه من المحال أن تثبت هذه الصفة لصفة ثانية، وتلك الصفة الثانية تثبت لصفة ثالثة، وهكذا إلى غير النهاية، بل لا بد وأن تنتهي إلى حقيقة واحدة قائمة بنفسها مستقلة بماهيتها، وحينئذ يصدق على تلك الحقيقة أنها ذات تلك الصفات، فقولنا: " إنها ذات كذا وكذا إنما يصدق في الحقيقة على تلك الماهية القائمة بنفسها، فلهذا السبب جعلوا هذه اللفظة كاللفظة المفردة الدالة على هذه الحقيقة، ولما كان الحق تعالى قيوما في ذاته كان إطلاق اسم الذات عليه حقا وصدقا، وأما الأخبار التي رويناها عن الأنصاري الهروي فإن شيئا منها لا يدل على هذا المعنى؛ لأنه ليس المراد من لفظ الذات فيها حقيقة الله تعالى وماهيته، وإنما المراد منه طلب رضوان الله، ألا ترى أنه قال: " لم يكذب إبراهيم إلا في ثلاث ثنتين في ذات الله " أي: في طلب مرضاة الله، وهكذا الكلام في سائر الأخبار.
إطلاق لفظ النفس على الله:
المسألة الرابعة: في لفظ النفس، وهذا اللفظ وارد في القرآن، قال تعالى: * (تعلم ما في نفسي، ولا أعلم ما في نفسك) * (المائدة: 116) وقال: * (ويحذركم الله نفسه) * (آل عمران: 28) وعن عائشة قالت: كنت نائمة إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم فقدته، فطلبته، فوقعت يدي على قدميه وهو ساجد، وهو يقول: " اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك، لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك " وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " يقول الله تعالى: أنا مع عبدي حين يذكرني، فإن ذكرني في في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير من ملئه، وإن تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا، وإن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا، وإن جاءني يمشي جئته أهرول " والخبر الثالث: عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لما خلق الله الخلق كتب في كتابه على نفسه وهو مرفوع فوق العرش: إن رحمتي تغلب غضبي " والخبر الرابع: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليس أحد أحب إليه المدح من الله تعالى، ومن أجل ذلك مدح نفسه، وليس أحد أغير من الله، ومن أجل ذلك حرم الفواحش، وليس أحد أحب إليه العذر من الله، ومن أجل ذلك أنزل الكتاب وأرسل الرسل ". الخبر الخامس: عن عائشة رضي الله عنها أن
(١٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 ... » »»