تفسير الرازي - الرازي - ج ١ - الصفحة ١٠٩
هل هو نفس المسمى أم لا " يجب أن يكون مسبوقا ببيان أن الاسم ما هو، وأن المسمى ما هو، حتى ينظر بعد ذلك في أن الاسم هل هو نفس المسمى أم لا، فنقول: إن كان المراد بالاسم هذا اللفظ الذي هو أصوات مقطعة وحروف مؤلفة، وبالمسمى تلك الذوات في أنفسها، وتلك الحقائق بأعيانها، فالعلم الضروري حاصل بأن الاسم غير المسمى، والخوض في هذه المسألة على هذا التقدير يكون عبثا، وإن كان المراد بالاسم ذات المسمى، وبالمسمى أيضا تلك الذات كان قولنا الاسم هو المسمى معناه أن ذات الشيء عين الشيء، وهذا وإن كان حقا إلا أنه من باب إيضاح الواضحات وهو عبث، فثبت أن الخوض في هذا البحث على جميع التقديرات يجري مجرى العبث.
المسألة الثانية: اعلم أنا استخرجنا لقول من يقول الاسم نفس المسمى تأويلا لطيفا دقيقا، وبيانه أن الاسم اسم لكل لفظ دل على معنى من غير أن يدل على زمان معين، ولفظ الاسم كذلك، فوجب أن يكون لفظ الاسم إسما لنفسه، فيكون لفظ الاسم مسمى بلفظ الاسم، ففي هذه الصورة الاسم نفس المسمى، إلا أن فيه إشكالا، وهو أن كون الاسم إسما للمسمى من باب الاسم المضاف، وأحد المضافين لا بد وأن يكون مغايرا للآخر.
المسألة الثالثة: في ذكر الدلائل الدالة على أن الاسم لا يجوز أن يكون هو المسمى، وفيه وجوه: - الأول: أن الاسم قد يكون موجودا مع كون المسمى معدوما، فإن قولنا: " المعدوم منفي " معناه سلب لا ثبوت له، والألفاظ موجودة مع أن المسمى بها عدم محض ونفي صرف، وأيضا قد يكون المسمى موجودا والاسم معدوما مثل الحقائق التي ما وضعوا لها أسماء معينة، وبالجملة فثبوت كل واحد منهما حال عدم الآخر معلوم مقرر وذلك يوجب المغايرة.
الثاني: أن الأسماء تكون كثيرة مع كون المسمى واحد كالأسماء المترادفة، وقد يكون الاسم واحدا والمسميات كثيرة كالأسماء المشتركة، وذلك أيضا يوجب المغايرة.
الثالث: أن كون الاسم إسما للمسمى وكون المسمى مسمى بالاسم من باب الإضافة كالمالكية والمملوكية، وأحد المضافين مغاير للآخر ولقائل أن يقول: يشكل هذا بكون الشيء عالما بنفسه.
الرابع: الاسم أصوات مقطعة وضعت لتعريف المسميات، وتلك الأصوات أعراض غير باقية، والمسمى قد يكون باقيا، بل يكون واجب الوجود لذاته.
(١٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 ... » »»