المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٤٠٦
تعالى * (كلا إذا بلغت) * زجر آخر لقريش وتذكير لهم بموطن من مواطن الهول وامر الله تعالى الذي لا محيد لبشر عنه وهي حالة الموت والمنازعة التي كتبها الله على كل حيوان و * (بلغت) * يريد النفس و * (التراقي) * ترقوة وهي عظام أعلى الصدر ولكل أحد ترقوتان لكن من حيث هذا الأمر في كثير من جمع إذ النفس المرادة اسم جنس و * (التراقي) * هي موازية للحلاقيم فالأمر كله كناية عن حال الحشرجة ونزاع الموت يسره الله علينا بمنه واختلف الناس في معنى قوله تعالى * (من راق) * فقال ابن عباس والضحاك وقتادة وأبو قلابة معناه من يرقى ويطب ويشفى ونحو هذا مما يتمناه أهل المريض وقال ابن عباس أيضا وسليمان التيمي ومقاتل وابن سليمان هذا القول للملائكة والمعنى من يرقى بروحه أي يصعد إلى السماء املائكة الرحمة أم ملائكة العذاب وقرا حفص عن عاصم بالوقف على " من " ويبتدىء * (راق) * وأدغم الجمهور قال أبو علي لا اعرف وجه قراءة عاصم وكذلك قرا (بل ران) وقوله تعالى * (وظن أنه الفراق) * يريد وتيقن المريض انه فراق الأحبة والأهل والمال والحياة وهذا يقين فيما لم يقع بعد ولذلك استعملت فيه لفظة الظن وقرا ابن عباس (أيقن انه الفراق) وقال في تفسيره ذهب الظن واختلف في معنى قوله * (والتفت الساق بالساق) * فقال ابن عباس والحسن والربيع بن انس وإسماعيل بن أبي خالد هذه استعارة لشدة كرب الدنيا في آخر يوم منها وشدة كرب الآخرة في أول يوم منها لأنه بين الحالين قد اختلطا له وهذا كما تقول شمرت الحرب عن ساق وعلى بعض التأويلات في قوله تعالى * (يوم يكشف عن ساق) * القلم 42 وقال ابن المسيب والحسن هي حقيقة والمراد ساق الميت عند تكفينه أي لفهما الكفن وقال الشعبي وأبو مالك وقتادة هو التفافهما بشدة المرض لأنه يقبض ويبسط ويركب هذا على هذا وقال الضحاك المراد أسوق حاضريه من الإنس والملائكة لأن هؤلاء يجهزون روحه إلى السماء وهؤلاء بدنه إلى قبره وقوله تعالى * (إلى ربك) * معناه إلى حكم ربك وعدله فإما إلى جنة وإما إلى نار و * (المساق) * مصدر من السوق قوله عز وجل سورة القيامة 31 - 40 قال جمهور المتأولين هذه الآية كلها إنما نزلت في أبي جهل بن هشام قال القاضي أبو محمد ثم كادت هذه الآية ان تصرح له في قوله تعالى * (يتمطى) * فإنها كانت مشية بني مخزوم وكان أبو جهل يكثر منها وقوله تعالى * (فلا صدق ولا صلى) * تقديره فلم يصدق ولم يصل وهذا نحو قول الشاعر طرفة بن العبد (فأي خميس فإنا لا نهابه * وأسيافنا يقطرن من كبشه دما) الطويل
(٤٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 401 402 403 404 405 406 407 408 409 410 411 ... » »»