المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٣٤٦
ابن عباس وابن أبي إسحاق والحسن (نون) بكسر النون وهذا كما تقول في القسم بالله وكما تقول (جبر) وقيل كسرت لاجتماع الساكنين وقرا ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحمزة وحفص عن عاصم (نون) بسكون النون وهذا على أنه حرف منفصل فحقه الوقوف عليه وقرأ قوم منهم الكسائي * (ن والقلم) * بالإدغام دون غنة وقرا آخرون بالإدغام وبغنة وقرا الكسائي ويعقوب عن نافع وأبو بكر عن عاصم بالاخفاء بين الإدغام والاظهار و * (يسطرون) * معناه يكتبون سطورا فإن أراد الملائكة فهو كتب الأعمال وما يؤمرون به وإن أراد بني آدم فهي الكتب المنزلة والعلوم وما جرى مجراها وقوله * (ما أنت بنعمة ربك بمجنون) * هو جواب القسم و " ما " هنا عاملة لها اسم وخبر وكذلك هي حيث دخلت الباء في الخبر وقوله * (بنعمة ربك) * اعتراض كما يقول الانسان أنت بحمد الله فاضل وسبب هذه الآية ان قريشا رمت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنون وهو ستر العقول بمعنى ان كلامه خطأ ككلام المجنون فنفى الله تعالى ذلك عنه واخبره بان له الأجر وانه على الخلق العظيم تشريفا له ومدحا واختلف الناس في معنى * (ممنون) * فقال أكثر المفسرين هو الواهن المنقطع يقال حبل منين أي ضعيف وقال آخرون معناه * (غير ممنون) * عليك أي لا يكدره من به وقال مجاهد معناه غير مصرد ولا محسوب محصل أي بغير حساب وسئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت خلقه القرآن أدبه وأوامره وقال علي رضي الله عنه الخلق العظيم أدب القرآن وعبر ابن عباس عن الخلق بالدين والشرع وذلك لا محالة رأس الخلق ووكيده اما ان الظاهر من الآية ان الخلق هي التي تضاد مقصد الكفار في قولهم مجنون أي غير محصل لما يقول وإنما مدحه تعالى بكرم السجية وبراعة القريحة والملكة الجميلة وجودة الضرائب ومنه قوله عليه السلام (بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) وقال جنيد سمي خلقه عظيما إذ لم تكن له همة سوى الله تعالى عاشر الخلق بخلقه وزايلهم بقلبه فكان ظاهره مع الخلق وباطنه مع الحق وفي وصية بعض الحكماء عليك بالخلق مع الخلق وبالصدق مع الحق وحسن الخلق خير كله وقال صلى الله عليه وسلم (إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة قائم الليل وصائم النهار) وقال (ما شيء أثقل في الميزان من خلق حسن) وقال (أحبكم إلى الله أحسنكم أخلاقا) والعدل والاحسان والعفو والصلة من الخلق وقوله تعالى * (فستبصر) * أي أنت وأمتك و * (يبصرون) * أي هم واختلف الناس في معنى قوله * (بأيكم المفتون) * فقال أبو عثمان المازني الكلام تام في قوله * (يبصرون) * ثم استأنف قوله (بأيكم المفتون) أي ال الأخفش بل الابصار عامل في الجملة المستفهم عنها في معناها واما الباء فقال أبو عبيدة معمر وقتادة هي زائدة والمعنى أيكم المفتون وقال الحسن والضحاك * (المفتون) * بمعنى الفتنة كما قالوا ما له معقول أي عقل وكما قالوا اقبل ميسوره ودع معسوره فالمعنى * (بأيكم) * هي الفتنة والفساد الذي سموه جنونا وقال آخرون * (بأيكم) * فتن * (المفتون) * وقال الأخفش المعنى * (بأيكم) * فتنة * (المفتون) * ثم حذف المضاف وأقيم ما أضيف اليه مقامه وقال مجاهد والفراء الياء بمعنى في أي في أي فريق منكم النوع المفتون
(٣٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 341 342 343 344 345 346 347 348 349 350 351 ... » »»