المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٣١٧
بسم الله الرحمن الرحيم سورة التغابن قال بعض المفسرين هي مدنية وقال آخرون هي مكية الا من قوله عز وجل " يا أيها الذين آمنوا إن أزواجكم وأولادكم " التغابن 14 إلى آخر السورة فإنه مدني وذكر الثعلبي عن ابن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من مولود يولد الا في تشابيك رأسه خمس آيات من فاتحة سورة التغابن قوله عز وجل سورة التغابن 1 - 4 قوله تعالى " وهو على كل شيء قدير " عموم معناه التنبيه والشيء الموجود وقوله * (هو الذي خلقكم) * تعديد نعمة والمعنى * (فمنكم كافر) * لنعمته في الايجاد حين لم يوجد كافر لجهله بالله تعالى * (ومنكم مؤمن) * بالله والإيمان به شكر لنعمته فالإشارة في هذا التأويل في الإيمان والكفر هي إلى اكتساب العبد هذا قول جماعة من المتأولين وحجتهم قول النبي صلى الله عليه وسلم (كل مولود يولد على الفطرة) وقوله تعالى * (فطرة الله التي فطر الناس عليها) * الروم 30 وكأن العبارة في قوله تعالى * (فمنكم) * تعطي هذا وكذلك يقويه قوله " والله بماتعملون بصير " وقيل المعنى (خلقكم منكم مؤمن ومنكم كافر) في أصل الخلق فهي جملة في موضع الحال فالإشارة على هذا في الايمان والكفر هي إلى اختراع الله تعالى وخلقه وهذا تأويل ابن مسعود وأبي ذر ويجري مع هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم (إن أحدكم يكون في بطن أمه نطفة أربعين يوما ثم علقة أربعين يوما ثم مضغة أربعين يوما ثم يجيء الملك فيقول يا رب أذكر أم أنثى أشقي أم سعيد فما الرزق فما الأجل فيكتب ذلك في بطن أمه) فقوله في الحديث (أشقي أم سعيد) هو في هذه الآية * (فمنكم كافر ومنكم مؤمن) * ويجري مع هذا المعنى قوله في الغلام الذي قتله الخضر إنه طبع يوم طبع كافرا وما روى ابن مسعود انه عليه السلام قال (خلق الله فرعون في البطن كافرا وخلق يحيى بن زكرياء مؤمنا) وقال عطاء بن
(٣١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 312 313 314 315 316 317 318 319 320 321 322 ... » »»