المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٣٠١
بسم الله الرحمن الرحيم سورة الصف وهي مدنية في قول الجمهور وقال مكي عن ابن عباس والمهدوي عن عطاء ومجاهد إنها مكية والأول أصح لأن معاني السورة تعضده ويشبه ان يكون فيها المكي والمدني قوله عز وجل سورة الصف 1 - 5 قد تقدم القول غير مرة في تسبيح الجمادات و * (العزيز) * في سلطانه وقدرته و * (الحكيم) * في أفعاله وتدبيره واختلف الناس في السبب الذي نزلت فيه * (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون) * فقال ابن عباس وأبو صالح نزلت بسبب ان جماعة قالوا لوددنا ان نعرف أحب الأعمال إلى ربنا حتى نفنى فيه ففرض الله الجهاد وأعلمهم بفضله لديه وانه يحب المقاتلين في سبيله كالبنيان المرصوص وكان إذ فرض قد تكرهه قوم منهم وفر من فر يوم أحد فعاتبهم الله بهذه الآية بسبب ان جماعة من شباب المسلمين كانوا يتحدثون عن أنفسهم في الغزو بما لم يفعلوا ويقولون فعلنا وصنعنا وذلك كذب فنزلت الآية في ذلك وقال ابن زيد نزلت في المنافقين لأن جملة منهم كانوا يقولون للمؤمنين نحن منكم ومعكم ثم يظهر من أفعالهم خلاف ذلك فنزلت الآية عتابا لهم وحكم هذه الآية باق غابر الدهر وكل من يقول ما لا يفعل فهو ممقوت مذق الكلام والقول الآخر في المنافقين إنما يتوجه بان يكونوا غير مجلحين بالنفاق فلذلك خوطبوا بالمؤمنين اي في زعمكم وما تظهرون والقول الأول يترجح بما يأتي بعد من امر الجهاد والقتال و (المقت) البغض من أجل الذنب أو ريبة أو دنائة يصنعها الممقوت وهذا حد المقت فتأمله و * (مقتا) * نصب على التمييز والتقدير * (كبر) * فعلكم * (مقتا) * والمراد كبر مقت فعلكم فحذف المضاف اليه ونصب المضاف على التمييز وهذا كما تريد تفقأ شحم بطنك فتقول تفقأ بطنك شحما و * (أن تقولوا) * يحتمل ان يكون بدلا من المقدر ويحتمل ان يكون فاعلا ب * (كبر) * وقول المرء ما لا يفعل
(٣٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 296 297 298 299 300 301 302 303 304 305 306 ... » »»