المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٢٧٣
إلى قومه فقال إني وجدت عندكم الشدة والغلظة ووجدت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الرخصة والرفق وقد أعطاني صدقاتكم واما ما رواه الجمهور في شان أوس بن الصامت فاختصاره ان أوسا ظاهر من امرأته خولة بنت خويلد وكان الظهار في الجاهلية يوجب عندهم فرقة مؤيدة قاله أبو قلابة وغيره فلما فعل ذلك أوس جاءت زوجته رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن أوسا اكل شبابي ونثرت له بطني فلما كبرت ومات أهلي ظاهر مني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما أراك الا قد حرمت عليه) فقالت يا رسول الله لا تفعل فإني وحيدة ليس لي أهل سواه فراجعها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل مقالته فراجعته فهذا هو جدالها وكانت في خلال جدالها تقول اللهم إليك أشكو حالي وفقري وانفرادي اليه وروي انها كانت تقول اللهم إن لي منه صبية صغارا ان ضممتهم اليه ضاعوا وإن ضممتهم إلي جاعوا فهذا هو اشتكاؤها إلى الله فنزل الوحي عند جدالها على رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الآيات وكانت عائشة حاضرة لهذه القصة كلها فكانت تقول سبحان من وسع سمعه الأصوات لقد كنت حاضرة وكان بعض كلام خولة يخفي علي وسمع الله جدالها فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوس فقال له اتعتق رقبة فقال والله ما املكها فقال أتصوم شهرين متتابعين فقال والله ما أقدر ان أصبر الا على اكلات ثلاث في اليوم ومتى لم أفعل غشي بصري فقال له أتطعم فقال له لا أجد الا ان تعينني يا رسول الله بمعونة وصلاة يريد الدعاء فأعانه رسول الله بخمسة عشر صاعا ودعا له وقيل بثلاثين صاعا فكفر بالإطعام وامسك أهله وفي مصحف عبد الله بن مسعود (تحاورك في زوجها) والمحاورة مراجعة القول ومعاطاته وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو (يظهرون) وقرا أبي بن كعب بخلاف عنه (يتظهرون) وقرا ابن عامر وحمزة والكسائي (يظاهرون) وقرا أبي بن كعب أيضا (يتظاهرون) وقرا عاصم والحسن وأبو جعفر وقتادة (يظاهرون) بضم الياء من قولك فاعل وهذه مستعملة جدا وقولهم الظهار دليل عليها والمراد بهذا كله قول الرجل لزوجته أنت علي كظهر أمي يريد في التحريم كأنها إشارة إلى الركوب إذ عرفه في ظهور الحيوان وكان أهل الجاهلية يفعلون ذلك فرد الله بهذه الآية فعلهم وأخبر بالحقيقة من أن الأم هي الوالدة واما الزوجة فلا يكون حكمها حكم الأم وقرأ جمهور الناس (أمهاتهم) بنصب الأمهات وقرا عاصم في رواية المفضل عنه (أمهاتهم) بالرفع وهذا على اللغتين في " ما " لغة الحجاز ولغة تميم وقرا ابن مسعود (ما هن بامهاتهم) بزيادة باء الجر وجعل الله تعالى القول بالظهار * (منكرا) * * (وزورا) * فهو محرم لكنه إذا وقع لزم هكذا قال فيه أهل العلم لكن تحريمه تحريم المكروهات جدا وقد رجى الله تعالى بعده بأنه * (لعفو غفور) * مع الكفارة
(٢٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 ... » »»