المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ١٢٣
قوله عز وجل سورة محمد 36 - 38 قوله تعالى * (إنما الحياة الدنيا لعب ولهو) * تحقير لأمر الدنيا أي فلا تهنوا في الجهاد بسببها ووصفها باللعب واللهو هو على أنها وما فيها مما يختص بها لعب وإلا ففي الدنيا ما ليس بلعب ولا لهو وهو الطاعة وامر الآخرة وما جرى مجراه وقوله تعالى * (وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم) * معناه هذا هو المطلوب منكم لا غيره لا تسالون أموالكم ان تنفقوها في سبيل الله وقال سفيان بن عيينة لا يسألكم كثيرا من أموالكم إحفاء إنما يسألكم غيضا من فيض ربع العشر فطيبوا أنفسكم ثم قال تعالى منبها على خلق ابن آدم * (إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا) * والإحفاء هو أشد السؤال وهو المخجل المخرج ما عند المسؤول كرها ومنه حفاء الرجل والتحفي من البحث عن الشيء وقوله * (تبخلوا) * جزم على جواب الشرط وقرا جمهور القراء (ويخرج) جزما على * (تبخلوا) * وقرأ عبد الوارث عن أبي عمرو (ويخرج) بالرفع على القطع بمعنى هو يخرج وحكاها أبو حاتم عن عيسى وقرات فرقة " و " بالنصب على معنى يكن بخل وإخراج فلما جاءت العبارة بفعل دل على أن التي مع الفعل بتأويل المصدر الذي هو الإخراج والفاعل في قوله * (ويخرج) * على كل الاختلافات يحتمل ان يكون الله ويحتمل ان يكون البخل الذي تضمنه اللفظ ويحتمل ان يكون السؤال الذي يتضمنه اللفظ أيضا وقرا ابن عباس ومجاهد وابن سيرين وابن محيصن وأيوب (يخرج) بفتح الياء (أضغانكم) رفعا على أنها فاعلة وروي عنهم (وتخرج) بضم التاء وفتح الراء على ما لم يسم فاعله وقرا يعقوب (ونخرج) بضم النون وكسر الراء (أضغانكم) نصبا والأضغان كما قلنا معتقدات السوء وهذا الذي كان يخاف ان يعتري المسلمين هو الذي تقرب به محمد بن مسلمة إلى كعب بن الأشرف حين قال له إن هذا الرجل قد أكثر علينا وطلب منا الأموال ثم وقف تعالى عباده المؤمنين على جهة التوبيخ لبعضهم * (ها أنتم هؤلاء) * وكرر هاء التنبيه تأكيدا وقوله * (عن نفسه) * يحتمل معنيين أحدهما فإنه يبخل عن شح نفسه والأخر ان يكون بمنزلة على لأنك تقول بخلت عليك وبخلت عنك بمعنى أمسكت عنك وقوله تعالى * (والله الغني وأنتم الفقراء) * معنى مطرد في قليل الأشياء وكثيرها
(١٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 ... » »»