المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ١٥٩
قال القاضي أبو محمد والراجح عندي من الأقوال في هذه الآية أن يكون * (أفمن) * للمؤمنين أو لهم وللنبي معهم إذ قد تقدم ذكر * (الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار) * فعقب ذكرهم بذكر غيرهم والبينة القرآن وما تضمن.
والشاهد محمد صلى الله عليه وسلم أو جبريل إذا دخل النبي في قوله * (أفمن) * أو الإنجيل والضمير في * (يتلوه) * للبينة وفي * (منه) * للرب تعالى والضمير في * (قبله) * للبينة وغير هذا مما ذكرته آنفا محتمل.
وقرأ الجمهور في مرية بكسر الميم وقرأ السلمي وأبو رجاء وأبو الخطاب السدوسي في مرية بضم الميم وهما لغتان في الشك والضمير في * (منه) * عائد على كون الكفرة موعدهم النار وسائر الآية بين.
وفي هذه الآية معادلة محذوفة يقتضيها ظاهر اللفظ تقديره أفمن كان على بينة من ربه كمن كفر بالله وكذب أنبياءه ونحو هذا في معنى الحذف قوله عز وجل " ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى " لكان هذا القرآن ومن ذلك قول الشاعر (فأقسم لو شيء أتانا رسوله * سواك ولكن لم نجد لك مدفعا) الطويل التقدير لرددناه ولم نصغ إليه.
قوله عز وجل هود 18 - 20 قوله * (ومن) * استفهام بمعنى التقرير وكأنه قال لا أحد أظلم ممن افترى كذبا والمراد ب " من " الكفرة الذين يدعون مع الله إلها آخر ويفترون في غير ما شيء وقوله * (أولئك يعرضون على ربهم) * عبارة عن الإشادة بهم والتشهير لخزيهم وإلا فكل بشر معروض على الله يوم القيامة.
وقوله * (يقول الأشهاد) * قالت فرقة يريد الشهداء من الأنبياء والملائكة فيجيء قوله * (هؤلاء الذين كذبوا على ربهم) * إخبارا عنهم وشهادة عليهم وقالت فرقة * (الأشهاد) * بمعنى الشاهدين ويريد جميع الخلائق وفي ذلك إشادة بهم وروي في نحو هذا حديث إنه لا يخزى أحد يوم القيامة إلا ويعلم ذلك جميع من شهد المحشر فيجيء قوله * (هؤلاء) * على هذا التأويل استفهاما عنهم وتثبتا فيهم كما تقول إذا رأيت مجرما قد عوقب هذا هو الذي فعل كذا وإن كنت قد علمت ذلك ويحتمل الإخبار عنهم.
(١٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 ... » »»