المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ١٦٣
و * (الملا) * الجمع والأكثر من القبيلة والمدينة ونحوه ويسمى الأشراف ملأ إذ هم عمدة الملأ والسادون مسده في الآراء والأمور وكل جماعة كبيرة ملأ.
ولما قال لهم نوح * (إني لكم نذير) * قالوا * (ما نراك إلا بشرا مثلنا) * أي والله لا يبعث رسولا من البشر فأحالوا الجائز على الله تعالى.
والأراذل جمع أرذل وقيل جمع أرذل وأرذال جمع رذل وكان اللازم على هذا أن يقال أراذيل وإذا ثبتت الياء في جمع صيرف فأحرى ألا تزال في موضع استحقاقها.
وهم سفلة الناس ومن لا أخلاق له ولا يبالي ما يقول ولا ما يقال له.
وقرأ الجمهور بادي الرأي بياء دون همز من بدا يبدو ويحتمل أن يكون من بدأ مسهلا وقرأ أبو عمرو وعيسى الثقفي بادئ الرأي بالهمز من بدأ يبدأ.
قال القاضي أبو محمد وبين القراءتين اختلاف في المعنى يعطيه التدبر فتركت التطويل ببسطه والعرب تقول أما باديء بدء فإني أحمد الله وأما بادي بدي بغير همز فيهما وقال الراجز (أضحى لخالي شبهي بادي بدي * وصار للفحل لساني ويدي) الرجز وقال الآخر وقد علتني ذرأة بادي بدي.
وقرأ الجمهور بهمز الرأي وقرأ أبو عمرو بترك همزه.
و * (بادي) * نصب على الظرف وصح أن يكون اسم الفاعل ظرفا كما يصح في قريب ونحوه وفعيل وفاعل متعاقبان أبدا على معنى واحد وفي المصدر كقولك جهد نفسي أحب كذا وكذا.
وتعلق قوله * (بادي الرأي) * يحتمل ستة أوجه.
أحدها أن يتعلق ب * (نراك) * بأول نظر وأقل فكرة وذلك هو * (بادي الرأي) * أي إلا ومتبعوك أراذلنا.
والثاني أن يتعلق بقوله * (اتبعك) * أي وما نراك اتبعك بادي الرأي إلا الأراذل ثم يحتمل على هذا قوله * (بادي الرأي) * معنيين.
أحدهما أن يريد اتبعك في ظاهر أمرهم وعسى أن بواطنهم ليست معك.
والثاني أن يريد اتبعوك بأول نظر وبالرأي البادي دون تعقب ولو تثبتوك لم يتبعوك.
وفي هذا الوجه ذم الرأي الغير المروي.
والوجه الثالث من تعلق قوله * (بادي الرأي) * أن يتعلق بقوله * (أراذلنا) * أي الذين هم أراذلنا بأول نظر فيهم وببادي الرأي يعلم ذلك منهم ويحتمل أن يكون قولهم * (بادي الرأي) * وصفا منهم لنوح أي تدعي عظيما وأنت مكشوف الرأي لا حصافة لك ونصبه على الحال وعلى الصفة ويحتمل أن يكون
(١٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 ... » »»