المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ١٧٠
التقدير فشرع يصنع فحكيت حال الاستقبال إذ في خلالها وقع مرورهم قال ابن عباس صنع نوح الفلك ببقاع دمشق وأخذ عودها من لبنان وعودها من الشمشار وهو البقص.
وروي أن عودها من الساج وأن نوحا عليه السلام اغترسه حتى كبر في أربعين سنة وروي أن طول السفينة ألف ذراع ومائتان وعرضها ستمائة ذراع ذكره الحسن بن أبي الحسن وقيل طولها ثلاثمائة ذراع وعرضها خمسون ذراعا وطولها في السماء ثلاثون ذراعا ذكره قتادة وروي غير هذا مما لم يثبت فاختصرت ذكره وذكر الطبري حديث إحياء عيسى ابن مريم لسام بن نوح وسؤاله إياه عن أمر السفينة فذكر أنها ثلاث طبقات طبقة للناس وطبقة للبهائم وطبقة للطير إلى غير ذلك في حديث طويل.
والملأ هنا الجماعة و * (سخروا) * معناه استجهلوه وهذا الإستجهال إن كان الأمر كما ذكر أنهم لم يكونوا قبل رأوا سفينة ولا كانت فوجه الإستجهال واضح.
وبذلك تظاهرت التفاسير وإن كانت السفائن حينئذ معروفة فاستجهلوه في أن صنعها في موضع لا قرب لها من البحر وروي أنهم كانوا يقولون له صرت نجارا بعد النبوة.
وقوله * (فإنا نسخر منكم) * قال الطبري يريد في الآخرة.
قال القاضي أبو محمد ويحتمل الكلام بل هو الأرجح أن يريد إنا نسخر منكم الآن أي نستجهلكم لعلمنا بما أنتم عليه من الغرر مع الله تعالى والكون بمدرج عذابه ثم جاء قوله * (فسوف تعلمون) * تهديدا والسخر الإستجهال مع استهزاء ومصدره سخرى بضم السين والمصدر من السخرة والستخير سخرى بكسرها.
والعذاب المخزي هو الغرق والمقيم هو عذاب الآخرة وحكى الزهراوي أنه يقرأ ويحل بضم الحاء ويقرأ ويحل بكسرها بمعنى ويجب.
و " من " في موضع نصب ب (تعلمون).
وجاز أن يكون * (تعلمون) * بمثابة تعرفون في التعدي إلى مفعول واحد وجائز أن تكون التعدية إلى مفعولين واقتصر على الواحد.
وقوله تعالى * (حتى إذا جاء أمرنا) * الآية الأمر ها هنا يحتمل أن يكون واحد الأمور ويحتمل أن يكون مصدر أمر فمعناه أمرنا للماء بالفوران أو للسحاب بالإرسال أو للملائكة بالتصرف في ذلك ونحو هذا مما يقدر في النازلة و * (فار) * معناه انبعث بقوة واختلف الناس في * (التنور) * فقالت فرقة وهي الأكثر منهم ابن عباس ومجاهد وغيرهما هو تنور الخبز الذي يوقد فيه وقالت فرقة كانت هذه أمارة جعلها الله لنوح أي إذا فار التنور فاركب في السفينة ويشبه أن يكون وجه الأمارة أن مستوقد النار إذا فار بالماء فغيره أشد فورانا وأحرى بذلك.
وروي أنه كان تنور آدم عليه السلام خلص إلى نوح فكان يوقد
(١٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 ... » »»