المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٤٨٣
ويحتمل أن يكون المعنى أو لم يتفكروا أنه ما بصاحبهم من جنة وسبب نزول هذه الآية فيما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صعد ليلا على الصفا فجعل يدعو قبائل قريش يا بني فلان يا بني فلان يحذرهم ويدعوهم إلى الله فقال بعض الكفار حين أصبحوا هذا مجنون بات يصوت حتى الصباح فنفى الله عز وجل ما قالوه من ذلك في هذا الموطن المذكور وفي غيره فإن الجنون بعض ما رموه به حتى أظهر الله نوره ثم أخبر أنه نذير أي محذر من العذاب ولفظ النذارة إذا جاء مطلقا فإنما هو في الشر وقد يستعمل في الخير مقيدا به ويظهر من رصف الآية أنها باعثة لهم على الفكرة في أمر محمد صلى الله عليه وسلم وأنه ليس به جنة كما أحالهم بعد هذه الآية على النظر ثم بين المنظور فيه كذلك أحال هنا على الفكرة ثم بين المتفكر فيه وقوله تعالى " أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء " الآية هذا أيضا توبيخ للكفار وتقرير والنظر هنا بالقلب عبرة وفكرا و * (ملكوت) * بناء عظمة ومبالغة وقوله " وما خلق الله من شيء " لفظ يعم جميع ما ينظر فيه ويستدل به من الصنعة الدالة على الصانع ومن نفس الإنس وحواسه ومواضع رزقه والشيء واقع على الموجودات وقوله * (وأن عسى) * عطف على قوله * (في ملكوت) * و * (أن) * الثانية في موضع رفع ب * (عسى) * والمعنى توقيفهم على أن لم يقع لهم نظر في شيء من هذا ولا في أنه قربت آجالهم فماتوا ففات أوان الاستدراك ووجب عليهم المحذور ثم وقفهم بأي حديث أو أمر يقع إيمانهم وتصديقهم إذا لم يقع بأمر فيه نجاتهم ودخولهم الجنة ونحو هذا المعنى قول الشاعر (وعن أي نفس بعد نفسي أقاتل *) الطويل والضمير في قوله * (بعده) * يراد به القرآن وقيل المراد به محمد صلى الله عليه وسلم وقصته وأمره أجمع وقيل هو عائد على الأجل بعد الأجل إذ لا عمل بعد الموت قوله عز وجل سورة الأعراف 186 187 هذا شرط وجواب مضمنه اليأس منهم والمقت لهم لأن المراد أن هذا قد نزل بهم وأنهم مثال لهذا وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر والحسن وأبو جعفر والأعرج وشيبة وأبو عبد الرحمن وقتادة ونذرهم بالنون ورفع الراء وكذلك عاصم في رواية أبي بكر وروى عنه حفص ويذرهم بالياء والرفع وقرأها أهل مكة وهذا على إضمار مبتدأ ونحن نذرهم أو على قطع الفعل واستئناف القول وقرأ حمزة والكسائي وأبو عمرو فيما ذكر أبو حاتم بالياء والجزم وقرأها كذلك طلحة بن مصرف والأعمش ويذرهم بالياء وبالجزم عطفا
(٤٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 478 479 480 481 482 483 484 485 486 487 488 ... » »»