المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٤٩٤
سورة الأعراف 206 ذكر الطبري وغيره أن سبب هذه الآية هو أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا بمكة يتكلمون في المكتوبة بحوائجهم ويصيحون عند آيات الرحمة والعذاب ويقول أحدهم إذا أتاهم صليتم وكم بقي فيخبرونه ونحو هذا فنزلت الآية أمرا لهم بالاستماع والإنصات في الصلاة وأما قول من قال إنها في الخطبة فضعيف لأن الآية مكية والخطبة لم تكن إلا بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة وكذلك ما ذكر الزهراوي أنها نزلت بسبب فتى من الأنصار كان يقرأ في الصلاة والنبي صلى الله عليه وسلم يقرأ فأما الاستماع والانصات عن الكلام في الصلاة فإجماع وأما الإمساك والإنصات عن القراءة فقالت فرقة يمسك المأموم عن القراءة جملة قرأ الإمام جهرا أو سرا وقالت فرقة يقرأ المأموم إذا أسر الإمام ويمسك إذا جهر وقالت فرقة يسمك المأموم في جهر الإمام عن قراءة السورة ويقرأ فاتحة الكتاب قال القاضي أبو محمد ومع هذا القول أحاديث صحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم فهذه الآية واجبة الحكم في الصلاة أن ينصت عن الحديث وما عدا القراءة واجبة الحكم أيضا في الخطبة من السنة لا من هذه الآية ويجب من الآية الإنصات إذا قرأ الخطيب القرآن أثناء الخطبة وحكم هذه الآية في غير الصلاة على الندب أعني في نفس الإنصات والاستماع إذا سمع الإنسان قراءة كتاب الله عز وجل وأما ما تتضمنه الألفاظ وتعطيه من توقير القرآن وتعظيمه فواجب في كل حالة والإنصات السكوت و * (لعلكم) * على ترجي البشر قال القاضي أبو محمد ولم نستوعب اختلاف العلماء في القراءة خلف الإمام إذ ألفاظ الآية لا تعرض لذلك لكن لما عن ذلك في ذكر السبب ذكرنا منه نبذة وذكر الطبري عن سعيد بن جبير أنه قال في قوله عز وجل * (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) * قال الإنصات يوم الأضحى ويوم الفطر ويوم الجمعة وفيما يجهر به الإمام من الصلاة قال القاضي أبو محمد وهذا قول جمع فيه ما أوجبته هذه الآية وغيرها من السنة في الإنصات قال الزجاج ويجوز أن يكون * (فاستمعوا له وأنصتوا) * اعملوا بما فيه ولا تجاوزوه وقوله تعالى * (واذكر ربك في نفسك) * الآية مخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم تعم جميع أمته وهو أمر من الله عز وجل بذكره وتسبيحه وتقديسه والثناء عليه بمحامده والجمهور على أن الذكر لا يكون في النفس ولا يراعى إلا بحركة اللسان ويدل على ذلك من هذه الآية قوله * (ودون الجهر من القول) * فهذه مرتبة السر والمخافتة باللفظ و * (تضرعا) * معناه تذللا وخضوعا و * (خيفة) * أصلها خوفة بدلت الواو ياء لأجل الكسرة التي تقدمتها وقوله * (بالغدو والآصال) * معناه دأبا وفي كل يوم وفي أطراف النهار وقالت فرقة هذه الآية كانت في صلاة المسلمين قبل فرض الصلوات الخمس وقال قتادة الغدو صلاة الصبح و * (الآصال) * صلاة العصر و * (الآصال) * جمع أصل والأصل جمع أصيل وهو العشي وقيل * (الآصال) * جمع أصيل دوت توسط كإيمان جمع يمين وآصال أيضا جمع أصاييل فهو جمع جمع الجمع وقرأ أبو مجلز
(٤٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 489 490 491 492 493 494 495 496 497 498 499 ... » »»