المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٤٨٢
سورة الأعراف 185 هذه آية تتضمن الخبر عن قوم مخالفين لمن تقدم ذكرهم في أنهم أهل إيمان واستقامة وهداية وظاهر لفظ هذه الآية يقتضي كل مؤمن كان من لدن آدم عليه السلام إلى قيام الساعة قال النحاس فلا تخلو الدنيا في وقت من الأوقات من داع يدعو إلى الحق قال القاضي أبو محمد سواء بعد صوته أو كان خاملا وروي عن كثير من المفسرين أنها في أمة محمد صلى الله عليه وسلم وروي في ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (هذه الآية لكم وقد تقدم مثلها لقوم موسى) وقوله تعالى * (والذين كذبوا بآياتنا) * الآية وعيد والإشارة إلى الكفار و * (سنستدرجهم) * معناه سنسوقهم شيئا بعد شيء ودرجة بعد درجة بالنعم عليهم والإمهال لهم حتى يغتروا ويظنوا أنهم لا ينالهم عقاب وقوله * (من حيث لا يعلمون) * معناه من حيث لا يعلمون أنه استدراج لهم وهذه عقوبة من الله على التكذيب بالآيات لما حتم عليهم بالعذاب أملى لهم ليزدادوا إثما وقرأ ابن وثاب والنخعي سيستدرجهم بالياء وقوله * (املي) * معناه أؤخر ملاءة من الدهر أي مدة وفيها ثلاث لغات فتح الميم وضمها وكسرها وقرأ عبد الحميد عن ابن عامر أن كيدي على معنى لأجل أن كيدي وقرأ جمهور الناس وسائر السبعة إن كيدي على القطع والاستئناف و * (متين) * معناه قوي قال الشاعر (لإل علينا واجب لا نضيعه * متين قواه غير منتكث الحبل) الطويل وروى ابن إسحاق في هذا البيت أمين قواه وهو من المتن الذي يحمل عليه لقوته ومنه قول الشاعر وهو امرؤ القيس (لها متنتان حظاتا كما * أكب على ساعديه النمر) المتقارب وهما جنبتا الظهر ومنه قول الآخر (عدلي عدول اليأس وافتج يبتلى * أفانين من الهوب شد مماتن) ومنه قول امرئ القيس (ويخدي على صم صلاب ملاطس * شديدات عقد لينات متان) الطويل ومنه الحديث في غزوة بني المصطلق فمتن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس أي سار بهم سيرا شديدا لينقطع الحديث بقول ابن أبي بن سلول لئن رجعنا إلى المدينة وقوله * (أولم يتفكروا ما بصاحبهم) * الآية تقرير يقارنه توبيخ للكفار والوقف على قوله * (أو لم يتفكروا) * ثم ابتدأ القول بنفي ما ذكروه فقال * (ما بصاحبهم من جنة) * أي بمحمد صلى الله عليه وسلم
(٤٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 477 478 479 480 481 482 483 484 485 486 487 ... » »»