المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٤٨٥
فيما ذكر أبو حاتم كأنك حفي بها لأن حفي معناه مهتبل مجتهد في السؤال مبالغ في الإقبال على ما يسأل عنه وقد يجيء * (حفي) * وصفا للسؤال ومنه قول الشاعر (فلما التقينا بين السيف بيننا * لسائلة عنا حفي سؤالها) الطويل ومن المعنى الأول الذي يجيء فيه * (حفي) * وصفا للسائل قول الآخر (سؤال حفي عن أخيه كأنه * بذكرته وسنان أو متواسن) الطويل ثم أمره ثانية بأن يسلم العلم تأكيدا للأمر وتهمما به إذ هو من الغيوب الخمسة التي في قوله عز وجل * (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث) * وقيل العلم الأول علم قيامها والثاني علم كنهها وحالها وقوله * (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) * قال الطبري معناه لا يعلمون أن هذا الأمر لا يعلمه إلا الله بل يظن أكثرهم أنه مما يعلم البشر قوله عز وجل سورة الأعراف 188 189 هذا أمر في أن يبالغ في الاستسلام ويتجرد من المشاركة في قدرة الله وغيبه وأن يصف نفسه لهؤلاء السائلين بصفة من كان بها فهو حري أن لا يعلم غيبا ولا يدعيه فأخبر أنه لا يملك من منافع نفسه ومضارها إلا ما سنى الله له وشاء ويسر وهذا الاستثناء منقطع وأخبر أنه لو كان يعلم الغيب لعمل بحسب ما يأتي ولاستعد لكل شيء استعداد من يعلم قدر ما يستعد له وهذا لفظ عام في كل شيء وقد خصص الناس هذا فقال ابن جريج ومجاهد لو كنت أعلم أجلي لاستكثرت من العمل الصالح وقالت فرقة أوقات النصر لتوخيتها وحكى مكي عن ابن عباس أن معنى لو كنت أعلم السنة المجدبة لأعددت لها من المخصبة قال القاضي أبو محمد وألفاظ الآية تعم هذا وغيره وقوله * (وما مسني) * يحتمل وجهين وبكليهما قيل أحدهما أن " ما " معطوفة على قوله * (لاستكثرت) * أي ولما مسني السوء والثاني أن يكون الكلام مقطوعا تم في قوله * (لاستكثرت من الخير) * وابتدأ يخبر بنفي السوء عنه وهو الجنون الذي رموه به قال مؤرج السدوسي * (السوء) * الجنون بلغة هذيل ثم أخبر بجملة ما هو عليه من النذارة والبشارة و * (لقوم يؤمنون) * يحتمل معنيين أحدهما أن يريد أنه نذير وبشير لقوم يطلب منهم الإيمان ويدعون إليه وهؤلاء الناس أجمع والثاني أن يخبر أنه نذير ويتم الكلام ثم يبتدئ يخبر أنه بشير للمؤمنين به ففي هذا وعد لمن حصل إيمانه
(٤٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 480 481 482 483 484 485 486 487 488 489 490 ... » »»