المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٣٦١
فإن شدة الحر من فيح جهنم وإن النار اشتكت إلى ربها الحديث بكماله فإما أنه نار على حقيقته وإلا فهو نفسها يوجد عنه كاثرها أنه قال السدي الإعصار الريح والنار السموم وقال ابن عباس ريح فيها سموم شديدة وقال ابن مسعود إن السموم التي خلق الله منها الجان جزء من سبعين جزءا من النار قال القاضي أبو محمد يريد من نار الآخرة وقال الحسن بن أبي الحسن * (إعصار فيه نار) * ريح فيها صر برد وقاله الضحاك وفي المثل إن كنت ريحا فقد لاقيت إعصارا والريح إعصار لأنها تعصر السحاب والسحاب معصرات إما أنها حوامل فهي كالمعصر من النساء وهي التي هي عرضة للحمل وإما لأنها تنعصر بالرياح وبهذا فسر عبيد الله بن الحسن العنبري القاضي وحكى ابن سيده أن المعصرات فسرها قوم بالرياح لا بالسحاب وقال الزجاج الإعصار الريح الشديدة تصعد من الأرض إلى السماء وهي التي يقال لها الزوبعة أنه قال المهدوي قيل لها * (إعصار) * لأنها تلتف كالثوب إذا عصر قال القاضي أبو محمد وهذا ضعيف والإشارة بذلك إلى هذه الأمثال المبينة * (ولعلكم) * ترج في حق البشر أي إذا تأمل من يبين له هذا البيان رجي به التفكر وكان أهلا له وقال ابن عباس * (تتفكرون) * في زوال الدنيا وفنائها وإقبال الآخرة وبقائها سورة البقرة 267 هذا الخطاب هو لجميع أمة محمد صلى الله عليه وسلم وهذه صيغة أمر من الإنفاق واختلف المتأولون هل المراد بهذا الإنفاق الزكاة المفروضة أو التطوع فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعبيدة السلماني ومحمد بن سيرين هي في الزكاة المفروضة نهى الناس عن إنفاق الرديء فيها بدل الجيد وأما التطوع فكما للمرء أن يتطوع بقليل فكذلك له أن يتطوع بنازل في القدر ودرهم زائف خير من تمرة فالامر على هذا القول للوجوب والظاهر من قول البراء بن عازب والحسن بن أبي الحسن وقتادة أن الآية في التطوع وروى البراء بن عازب وعطاء بن أبي رباح ما معناه أن الأنصار كانوا أيام الجداد يعلقون أقناء التمر في حبل بين أسطوانتين في المسجد فيأكل من ذلك فقراء المهاجرين فعلق رجل حشفا فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (بئسما علق هذا) فنزلت الآية قال القاضي أبو محمد والأمر على هذا القول على الندب وكذلك ندبوا إلى أن لا يتطوعوا إلا بجيد مختار والآية تعم الوجهين لكن صاحب الزكاة يتلقاها على الوجوب وصاحب التطوع يتلقاها على الندب وهؤلاء كلهم وجمهور المتأولين قالوا معنى * (من طيبات) * من جيد ومختار * (ما كسبتم) * وجعلوا * (الخبيث) * بمعنى الرديء والرذالة وقال ابن زيد معناه من حلال ما كسبتم أنه قال وقوله * (ولا تيمموا الخبيث) * أي الحرام قال القاضي أبو محمد وقول ابن زيد ليس بالقوي من جهة نسق الآية لا من معناه في نفسه وقوله
(٣٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 356 357 358 359 360 361 362 363 364 365 366 ... » »»