علي بن أبي طالب رضي الله عنه الأكف أنظف الآنية ومنه قول الحسن رحمه الله (لا يدلفون إلى ماء بآنية * إلا اغترافا من الغدران بالراح) البسيط وظاهر قول طالوت * (إن الله مبتليكم) * هو أن ذلك بوحي إلى النبي وإخبار من النبي لطالوت ويحتمل أن يكون هذا مما ألهم الله طالوت إليه فجرب به جنده وجعل الإلهام ابتلاء من الله لهم وهذه النزعة واجب أن تقع من كل متولي حرب فليس يحارب إلا بالجند المطيع ومنه قول معاوية علي في أخبث جند وأعصاه وأنا في أصح جند وأطوعه ومنه قول علي رضي الله عنه أفسدتم علي رأيي بالعصيان وبين أن الغرفة كافة ضرر العطش عند الحزمة الصابرين على شظف العيش الذين هممهم في غير الرفاهية كما أنه قال عروة (وأحسوا قراح الماء والماء بارد *) الطويل فيشبه أن طالوت أراد تجربة القوم وقد ذهب قوم إلى أن عبد الله بن حذافة السهمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أمر أصحابه بإيقاد النار والدخول فيها تجربة لطاعتهم لكنه حمله مزاحه على تخشين الأمر الذي كلفهم وقوله * (فليس مني) * أي ليس من أصحابي في هذه الحرب ولم يخرجهم بذلك عن الإيمان ومثل هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم (من غشنا فليس منا ومن رمانا بالنبل فليس منا وليس منا من شق الجيوب ولطم الخدود) وفي قوله تعالى * (ومن لم يطعمه) * سد للذرائع لأن أدنى الذوق يدخل في لفظ الطعم فإذا وقع النهي عن الطعم فلا سبيل إلى وقوع الشرب ممن يتجنب الطعم ولهذه المبالغات لم يأت الكلام ومن لم يشرب منه وقرأ أبو عمرو ونافع وابن كثير غرفة بفتح الغين وهذا على تعدية الفعل إلى المصدر والمفعول محذوف والمعنى إلا من اغترف ماء غرفة وقرأ الباقون غرفة بضم الغين وهذا على تعدية الفعل إلى المفعول به لأن الغرفة هي العين المغترفة فهذا بمنزلة إلا من إغترف ماء وكان أبو علي يرجح ضم الغين ورجحه الطبري أيضا من جهة أن غرفة بالفتح إنما هو مصدر على غير اغتراف ثم أخبر تعالى عنهم أن الأكثر شرب وخالف ما أريد منه وروي عن ابن عباس وقتادة وغيرهما أن القوم شربوا على قدر يقينهم فشرب الكفار شرب الهيم وشرب العاصون دون ذلك وانصرف من القوم ستة وسبعون ألفا وبقي بعض المؤمنين لم يشرب شيئا وأخذ بعضهم الغرفة فأما من شرب فلم يرو بل برح به العطش وأما من ترك الماء فحسنت حاله وكان أجلد ممن أخذ الغرفة سورة البقرة 249 جاوز فاعل من جاز يجوز وهي مفاعلة من اثنين في كل موضع لأن النهر وما أشبهه كأنه
(٣٣٥)