المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٢٨٤
وقال النقاش هو ضباب أبيض وفي قراءة ابن مسعود إلا أن يأتيهم الله والملائكة في ظلل من الغمام و * (قضي الأمر) * معناه وقع الجزاء وعذب أهل العصيان وقرأ معاذ بن جبل وقضاء الأمر وقرأ يحيى بن يعمر وقضى الأمور بالجمع وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي ترجع على بناء الفعل للفاعل وقرأ الباقون ترجع على بنائه للمفعول وهي راجعة إليه تعالى قبل وبعد وإنما نبه بذكر ذلك في يوم القيامة على زوال ما كان منها إلى الملوك في الدنيا وقوله تعالى * (سل بني إسرائيل) * الآية الخطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم وفيه إباحة السؤال لمن شاء من أمته ومعنى الآية توبيخهم على عنادهم بعد الآيات البينة وقرأ أبو عمرو في رواية عباس عنه اسأل على الأصل وقرأ قوم اسل على نقل الحركة إلى السين وترك الاعتداد بذلك في إبقاء ألف الوصل على لغة من أنه قال الحمر ومن قرأ سل فإنه أزال ألف الوصل حين نقل واستغنى عنها و * (كم) * في موضع نصب إما بفعل مضمر بعدها لأن لها صدر الكلام تقديره كم آتينا آتيناهم وإما ب * (آتيناهم) * وقوله * (من آية) * هو على التقدير الأول مفعول ثان ل * (آتيناهم) * وعلى الثاني في موضع التمييز ويصح أن تكون * (كم) * في موضع رفع بالابتداء والخبر في * (آتيناهم) * ويصير فيه عائد على * (كم) * تقديره كم آتيناهموه والمراد بالآية كم جاءهم في أمر محمد صلى الله عليه وسلم من آية معرفة به دالة عليه و * (نعمة الله) * لفظ عام لجميع أنعامه ولكن يقوي من حال النبي معهم أن المشار إليه هنا محمد صلى الله عليه وسلم فالمعنى ومن يبدل من بني إسرائيل صفة نعمة الله ثم جاء اللفظ منسحبا على كل مبدل نعمة لله تعالى وقال الطبري النعمة هنا الإسلام وهذا قريب من الأول ويدخل في اللفظ أيضا كفار قريش الذين بعث محمد منهم نعمة عليهم فبدلوا قبولها والشكر عليها كفرا والتوراة أيضا نعمة على بني إسرائيل أرشدتهم وهدتهم فبدلوها بالتحريف لها وجحد أمر محمد صلى الله عليه وسلم وقوله تعالى * (فإن الله شديد العقاب) * خبر يقتضي ويتضمن الوعيد و * (العقاب) * مأخوذ من العقب كأن المعاقب يمشي بالمجازاة له في آثار عقبه ومنه عقبة الراكب وعقبة القدر وقوله تعالى * (زين للذين كفروا الحياة الدنيا) * المزين هو خالقها ومخترعها وخالق الكفر ويزينها أيضا الشيطان بوسوسته وإغوائه وقرأ مجاهد وحميد بن قيس وأبو حيوة زين على بناء الفعل للفاعل ونصب الحياة وقرأ ابن أبي عبلة زينت بإظهار العلامة والقراءة دون علامة هي للحائل ولكون التأنيث غير حقيقي وخص الذين كفروا الذكر لقبولهم التزيين جملة وإقبالهم على الدنيا وإعراضهم عن الآخرة سببها والتزيين من الله تعالى واقع للكل وقد جعل الله ما على الأرض زينة لها ليبلو الخلق أيهم أحسن عملا فالمؤمنون الذين هم على سنن الشرع لم تفتنهم الزينة والكفار تملكتهم لأنهم لا يعتقدون غيرها وقد أنه قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين قدم عليه بالمال اللهم إنا لا نستطيع إلا أن نفرح بما زينت لنا وقوله تعالى * (ويسخرون) * إشارة إلى كفار قريش لأنهم كانوا يعظمون حالهم من الدنيا ويغتبطون بها ويسخرون من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم كبلال وصهيب وابن مسعود وغيرهم فذكر الله قبيح فعلهم ونبه على خفض منزلتهم بقوله * (والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة) * ومعنى الفوق هنا في الدرجة
(٢٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 279 280 281 282 283 284 285 286 287 288 289 ... » »»