المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٢٨١
قال القاضي أبو محمد والحب له على الإرادة مزية إيثار فلو أنه قال أحد إن الفساد المراد تنقصه مزية الإيثار لصح ذلك إذ الحب من الله تعالى إنما هو لما حسن من جميع جهاته وقوله تعالى * (وإذا قيل له اتق الله) * الآية هذه صفة الكافر أو المنافق الذاهب بنفسه زهوا ويكره للمؤمن أن يوقعه الحرج في نحو هذا وقال بعض العلماء كفى بالمرء إثما أن يقول له أخوه اتق الله فيقول له عليك نفسك مثلك يوصيني والعزة هنا المنعة وشدة النفس أي اعتز في نفسه وانتخى فأوقعته تلك العزة في الإثم حين أخذته به وألزمته أباه ويحتمل لفظ الآية أن يكون أخذته العزة مع الإثم فمعنى الباء يختلف بحسب التأويلين و * (حسبه) * أي كافيه معاقبة وجزاء كما تقول للرجل كفاك ما حل بك وأنت تستعظم وتعظم عليه ما حل به و * (المهاد) * ما مهد الرجل لنفسه كأنه الفراش ومن هذا الباب قول الشاعر (تحية بينهم ضرب وجيع *) الوافر وقوله تعالى * (ومن الناس من يشري نفسه) * الآية تتناول كل مجاهد في سبيل الله أو مستشهد في ذاته أو مغير منكر والظاهر من هذا التقسيم أن تكون الآيات قبل هذه على العموم في الكافر بدليل الوعيد بالنار ويأخذ العصاة الذين فيهم شيء من هذا الخلق بحظهم من وعيد الآية ومن أنه قال إن الآيات المتقدمة هي في منافقين تكلموا في غزوة الرجيع أنه قال هذه الآية في شهداء غزوة الرجيع ومن أنه قال تلك في الأخنس أنه قال هذه في الأنصار والمهاجرين المبادرين إلى الإيمان وقال عكرمة وغيره هذه في طائفة من المهاجرين وذكروا حديث صهيب أنه خرج من مكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاتبعته قريش لترده فنثر كنانته وقال لهم تعلمون والله إني لمن أرماكم رجلا والله لأرمينكم ما بقي لي سهم ثم لأضربن بسيفي ما بقي في يدي منه شيء فقالوا له لا نتركك تذهب عنا غنيا وقد جئتنا صعلوكا ولكن دلنا على مالك ونتركك فدلهم على ماله وتركوه فهاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآه أنه قال له ربح البيع أبا يحيى فنزلت فيه هذه الآية ومن أنه قال قصد بالأول العموم أنه قال في هذه كذلك بالعموم و * (يشري) * معناه يبيع ومنه * (وشروه بثمن بخس) * يوسف 20 ومنه قول يزيد بن مفرغ الحميري (وشريت بردا ليتني * من بعد برد كنت هامه) مجزوء الكامل وقال الآخر (يعطي بها ثمنا فيمنعها * ويقول صاحبه ألا تشري) الكامل ومن هذا تسمى الشراة كأنهم الذين باعوا أنفسهم من الله تعالى وحكى قوم أنه يقال شرى بمعنى اشترى ويحتاج إلى هذا من تأول الآية في صهيب لأنه اشترى نفسه بماله ولم يبعها اللهم إلا أن يقال إن عزم صهيب على قتالهم بيع لنفسه من الله تعالى فتستقيم اللفظة على معنى باع وتأول هذه الآية عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهم في مغيري
(٢٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 276 277 278 279 280 281 282 283 284 285 286 ... » »»