المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٢٨٥
والقدر فهي تقتضي التفضيل وإن لم يكن للكفار من القدر نصيب كمال أنه قال تعالى * (أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا) * الفرقان 24 وتحتمل الآية أن المتقين هم في الآخرة في التنعم والفوز بالرحمة فوق ما هم هؤلاء فيه في دنياهم وكذلك خير مستقرا من هؤلاء في نعمة الدنيا فعلى هذا الاحتمال وقع التفضيل في أمر فيه اشتراك وتحتمل هذه الآية أن يراد بالفوق المكان من حيث الجنة في السماء والنار في أسفل السافلين فيعلم من ترتيب الأمكنة أن هؤلاء في الجنة وهؤلاء في النار وتحتمل الآيتان أن يكون التفضيل على ما يتضمنه زعم الكفار فإنهم كانوا يقولون وإن كان معاد فلنا فيه الحظ أكثر مما لكم ومنه حديث خباب مع العاصي بن وائل وهذا كله من التحميلات حفظ لمذهب سيبويه والخليل في أن التفضيل إنما يجيء فيما فيه شركة والكوفيون يجيزونه حيث لا اشتراك وقوله تعالى * (والله يرزق من يشاء بغير حساب) * يحتمل أن يكون المعنى والله يرزق هؤلاء الكفرة في الدنيا فلا تستعظموا ذلك ولا تقيسوا عليه الآخرة فإن الرزق ليس على قدر الكفر والإيمان بأن يحسب لهذا عمله ولهذا عمله فيرزقان بحساب ذلك بل الرزق بغير حساب الأعمال والأعمال ومجازاتها محاسبة ومعادة إذ أجزاء الجزاء تقابل أجزاء الفعل المجازى عليه فالمعنى أن المؤمن وإن لم يرزق في الدنيا فهو فوق يوم القيامة وتحتمل الآية أن يكون المعنى أن الله يرزق هؤلاء المستضعفين علو المنزلة بكونهم فوق وما في ضمن ذلك من النعيم بغير حساب فالآية تنبيه على عظم النعمة عليهم وجعل رزقهم بغير حساب حيث هو دائم لا يتناهى فهو لا ينفد ويحتمل أن يكون * (بغير حساب) * صفة لرزق الله تعالى كيف تصرف إذ هو جلت قدرته لا ينفق بعد ففضله كله بغير حساب ويحتمل أن يكون المعنى في الآية من حيث لا يحتسب هذا الذي يشاؤه الله كأنه أنه قال بغير احتساب من المرزوقين كما أنه قال تعالى * (ويرزقه من حيث لا يحتسب) * الطلاق 3 وإن اعترض معترض على هذه الآية بقوله تعالى * (عطاء حسابا) * النبأ 36 فالمعنى في ذلك محسبا وأيضا فلو كان عدا لكان الحساب في الجزاء والمثوبة لأنها معادة وغير الحساب في التفضيل الإنعام سورة البقرة 213 - 214 قال أبي بن كعب وابن زيد المراد ب * (الناس) * بنو آدم حين أخرجهم الله نسما من ظهر آدم أي كانوا على الفطرة
(٢٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 280 281 282 283 284 285 286 287 288 289 290 ... » »»