المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ١ - الصفحة ١٩٤
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رحمه الله على معنى إزالة النعمة كما توعد وقد حكى الطبري القول عن أقدم من الزجاج ورد عليه والصحيح في هذا أن نسيان النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد الله تعالى أن ينساه ولم يرد أن يثبت قرآنا جائز فأما النسيان الذي هو آفة في البشر فالنبي صلى الله عليه وسلم معصوم منه قبل التبليغ وبعد التبليغ ما لم يحفظه أحد من أصحابه وأما بعد أن يحفظ فجائز عليه ما يجوز على البشر لأنه قد بلغ وأدى الأمانة ومنه الحديث حين أسقط آية فلما فرغ من الصلاة أنه قال أفي القوم أبي أنه قال نعم يا رسول الله أنه قال فلم لم تذكرني أنه قال حسبت أنها رفعت فقال النبي صلى الله عليه وسلم لم ترفع ولكني نسيتها ولفظة خير في الآية صفة تفضيل والمعنى بأنفع لكم أيها الناس في عاجل إن كانت الناسخة أخف وفي آجل إن كانت أثقل وبمثلها إن كانت مستوية وقال قوم خير في الآية مصدر ومن لابتداء الغاية قال القاضي أبو محمد رحمه الله ويقلق هذا القول لقوله تعالى * (أو مثلها) * إلا أن يعطف المثل على الضمير في * (منها) * دون إعادة حرف الجر وذلك معترض وقوله تعالى * (ألم تعلم أن) * ظاهره الاستفهام ومعناه التقرير والتقرير محتاج إلى معادل كالاستفهام المحض فالمعادل هنا على قول جماعة * (أم تريدون) * البقرة 18 وقال قوم * (أم) * هنا منقطعة فالمعادل على قولهم محذوف تقديره أم علمتم وهذا كله على أن القصد بمخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم مخاطبة أمته وأما إن كان هو المخاطب وحده فالمعادل محذوف لا غير وكلا القولين مروي ومعنى الآية أن الله تعالى ينسخ ما يشاء ويثبت ما يشاء ويفعل في أحكامه ما يشاء هو قدير على ذلك وعلى كل شيء وهذا لإنكار اليهود النسخ وقوله تعالى " على كل شيء " لفظ عموم معناه الخصوص إذ لم تدخل فيه الصفات القديمة بدلالة العقل ولا المحالات لأنها ليست بأشياء والشيء في كلام العرب الموجود و * (قدير) * اسم فاعل على المبالغة من قدر بفتح العين يقدر بكسرها ومن العرب من يقول قدر بكسر العين يقدر بفتحها سورة البقرة 107 - 109 الملك السلطان ونفوذ الأمر والإرادة وجمع الضمير في * (لكم) * دال على أن المراد بخطاب النبي
(١٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 199 ... » »»